تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ١٩٥
قوله تعالى: (الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شئ) الخ، اسم الجلالة مبتدأ و (الذي خلقكم) خبره، وكذا قوله: (من يفعل) الخ مبتدأ خبره (من شركائكم) المقدم عليه والاستفهام انكاري وقد ذكر في تركيب الآية احتمالات أخر.
والمعنى: أن الله سبحانه هو الذي اتصف بكذا وكذا وصفا من أوصاف الألوهية والربوبية فهل من الآلهة الذين تدعون أنهم آلهة من يفعل شيئا من ذلكم يعنى من الخلق والرزق والإماتة والاحياء وإذ ليس منهم من يفعل شيئا من ذلكم فالله سبحانه هو إلهكم وربكم لا اله الا هو.
ولعل الوجه في ذكر الخلق مع الرزق والاحياء والإماتة مع تكرر تقدم ذكره في سلك الاحتجاجات السابقة الإشارة إلى أن الرزق لا ينفك عن الخلق بمعنى أن بعض الخلق يسمى بالقياس إلى بعض آخر يديم بقاءه به رزقا فالرزق في الحقيقة من الخلق فالذي يخلق الخلق هو الذي يرزق الرزق.
فليس لهم أن يقولوا: ان الرازق وكذا المحيى والمميت بعض آلهتنا كما ربما يدعيه بعضهم أن مدبر عالم الانسان بعض الآلهة ومدبر كل شأن من شؤون العالم من الخيرات والشرور بعضهم لكنهم لا يختلفون أن الخلق والايجاد منه تعالى لا يشاركه في ذلك أحد فإذا سلم ذلك ومن المسلم أن الرزق مثلا خلق وكذا سائر الشؤون لا تنفك عن الخلق رجع الامر كالخلق إليه تعالى ولم يبق لآلهتهم شأن من الشؤون.
ثم نزه سبحانه نفسه عن شركهم فقال: (سبحانه وتعالى عما يشركون).
قوله تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) الآية بظاهر لفظها عامة لا تختص بزمان دون زمان أو بمكان أو بواقعة خاصة، فالمراد بالبر والبحر معناهما المعروف ويستوعبان سطح الكرة الأرضية.
والمراد بالفساد الظاهر المصائب والبلايا الظاهرة فيهما الشاملة لمنطقة من مناطق الأرض من الزلازل وقطع الأمطار والسنين والأمراض السارية والحروب والغارات وارتفاع الامن وبالجملة كل ما يفسد النظام الصالح الجاري في العالم الأرضي سواء كان
(١٩٥)
مفاتيح البحث: الرزق (4)، البلاء (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 ... » »»
الفهرست