تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٢١٠
وقوله: (ليضل عن سبيل الله بغير علم) مقتضى السياق أن يكون المراد بسبيل الله القرآن الكريم بما فيه من المعارف الحقة الاعتقادية والعلمية وخاصة قصص الأنبياء وأممهم الخالية فان لهو الحديث والأساطير المزوقة المختلقة تعارض أولا هذه القصص ثم تهدم بنيان سائر المعارف الحقة وتوهنها في أنظار الناس.
ويؤيد ذلك قوله بعد: (ويتخذها هزوا) فان لهو الحديث بما أنه حديث كما سمعت يعارض أولا الحديث ويتخذه سخريا.
فالمراد بسبيل الله القرآن بما فيه من القصص والمعارف وكأن مراد من كان يشترى لهو الحديث أن يضل الناس بصرفهم عن القرآن وأن يتخذ القرآن هزوا بأنه حديث مثله وأساطير كأساطيره.
وقوله: (بغير علم) متعلق بيضل وهو في الحقيقة وصف ضلال الضالين دون اضلال المضلين وان كانوا أيضا لا علم لهم ثم هددهم بقوله: (أولئك لهم عذاب مهين) أي مذل يوهنهم ويذلهم حذاء استكبارهم في الدنيا.
قوله تعالى: (وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا) الخ، وصف لذاك الذي يشترى لهو الحديث ليضل الناس عن القرآن ويهزء به والوقر الحمل الثقيل والمراد بكون الوقر على أذنيه أن يشد عليهما ما يمنع من السمع وقيل: هو كناية عن الصمم.
والمعنى: وإذا تتلى على هذا المشترى لهو الحديث آياتنا أي القرآن ولى وأعرض عنها وهو مستكبر كأن لم يسمعها قط كأنه أصم فبشره بعذاب أليم.
وقد أعيد إلى من يشترى ضمير الافراد أولا كما في (يشترى) و (ليضل) و (يتخذها) باعتبار اللفظ وضمير الجمع، ثانيا باعتبار المعنى ثم ضمير الافراد باعتبار اللفظ كما في (عليه) وغيره كذا قيل، ومن الممكن أن يكون ضمير (لهم) في الآية السابقة راجعا إلى مجموع المضل والضالين المدلول عليهم بالسياق فتكون الضمائر الراجعة إلى (من) مفردة جميعا.
قوله تعالى: (ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم - إلى قوله - العزيز الحكيم) رجوع بعد انذار ذاك المشترى وتهديده بالعذاب المهين ثم العذاب
(٢١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 ... » »»
الفهرست