تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ١٠٦
وقوله: (ولئن جاء نصر من ربك ليقولن انا كنا معكم) أي لئن أتاكم من قبله تعالى ما فيه فرج ويسر لكم من بعد ما أنتم فيه من الشدة والعسرة من قبل أعداء الله ليقولن هؤلاء انا كنا معكم فلنا منه نصيب.
و (ليقولن) بضم اللام صيغة جمع، والضمير راجع إلى (من) باعتبار المعنى كما أن ضمائر الافراد الاخر راجعة إليها باعتبار اللفظ.
وقوله: (أو ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين) استفهام انكاري فيه رد دعواهم أنهم مؤمنون بأن الله أعلم بما في الصدور ولا تنطوي قلوب هؤلاء على ايمان.
والمراد بالعالمين الجماعات من الانسان أو الجماعات المختلفة من أولى العقل انسانا كان أو غيره كالجن والملك، ولو كان المراد به جميع المخلوقات من ذوي الشعور وغيرهم كان المراد بالصدور البواطن وهو بعيد.
قوله تعالى: (وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين) من تتمة الكلام في الآية السابقة والمحصل أن الله مع ذلك يميز بين المؤمنين والمنافقين بالفتنة والامتحان.
وفى الآية إشارة إلى كون هؤلاء منافقين وذلك لكون ايمانهم مقيدا بعدم الفتنة وهم يظهرونه مطلقا غير مقيد والفتنة سنة إلهية جارية لا معدل عنها.
وقد استدل بالآيتين على أن السورة أو خصوص هذه الآيات مدنية وذلك أن الآية تحدث عن النفاق والنفاق انما ظهر بالمدينة بعد الهجرة وأما مكة قبل الهجرة فلم يكن للاسلام فيها شوكة ولا للمسلمين فيها الا الذلة والإهانة والشدة والفتنة ولا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في المجتمع العربي يومئذ وخاصة عند قريش عزة ولا منزلة فلم يكن لاحد منهم داع يدعوه إلى أن يتظاهر بالايمان وهو ينوى الكفر.
على أن قوله في الآية ولئن جاء نصر من ربك ليقولن انا كنا معكم) يخبر عن النصر وهو الفتح والغنيمة وقد كان ذلك بالمدينة دون مكة.
ونظير الآيتين قوله السابق: (ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه) ضرورة وأن الجهاد والقتال انما كان بالمدينة بعد الهجرة.
وهو سخيف: أما حديث النفاق فالذي جعل في الآية ملاكا للنفاق وهو قولهم:
آمنا بالله حتى إذا أوذوا في الله راجعوا عن قولهم كان جائز التحقق في مكة كما في
(١٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 ... » »»
الفهرست