هذه الآيات الثلاث أن من يؤمن بالله لتوقع الرجوع إليه ولقائه فليعلم أنه آت لا محالة وأن الله سميع لأقواله عليم بأحواله وأعماله فليأخذ حذره وليؤمن حق الايمان الذي لا يصرفه عنه فتنة ولا ايذاء وليجاهد في الله حق جهاده، وليعلم أن الذي ينتفع بجهاده هو نفسه ولا حاجة لله سبحانه إلى ايمانه ولا إلى غيره من العالمين وليعلم أنه ان آمن وعمل صالحا فان الله سيكفر عنه سيئاته ويجزيه بأحسن أعماله، والعلمان الأخير ان يؤكدان العلم الأول ويستوجبان لزومه الايمان وصبره على الفتن والمحن في جنب الله.
فقوله: (من كان يرجو لقاء الله) رجوع إلى بيان حال من يقول: آمنت فإنه انما يؤمن لو صدق بعض الصدق لتوقعه الرجوع إلى الله سبحانه يوم القيامة إذ لولا المعاد لغى الدين من أصله، فالمراد بقوله: (من كان يرجو لقاء الله) من كان يؤمن بالله أو من كان يقول: آمنت بالله، فالجملة من قبيل وضع السبب موضع المسبب.
والمراد بلقاء الله وقوف العبد موقفا لا حجاب بينه وبين ربه كما هو الشأن يوم القيامة الذي هو ظرف ظهور الحقائق، قال تعالى: (ويعلمون أن الله هو الحق المبين).
وقيل: المراد بلقاء الله هو البعث، وقيل: الوصول إلى العاقبة من لقاء ملك الموت والحساب والجزاء، وقيل: المراد ملاقاة جزاء الله من ثواب أو عقاب وقيل:
ملاقاة حكمه يوم القيامة، والرجاء على بعض هذه الوجوه بمعنى الخوف.
وهذه وجوه مجازية بعيدة لا موجب لها الا أن يكون من التفسير بلازم المعنى.
وقوله: (فان أجل الله لات) الاجل هو الغاية التي ينتهى إليها زمان الدين ونحوه وقد يطلق على مجموع ذلك الزمان والغالب في استعماله هو المعنى الأول.
و (أجل الله) هو الغاية التي عينها الله تعالى للقائه، وهو آت لا ريب فيه وقد أكد القول تأكيدا بالغا، ولازم تحتم اتيان هذا الاجل وهو يوم القيامة أن لا يسامح في أمره ولا يستهان بأمر الايمان بالله حق الايمان والصبر عليه عند الفتن والمحن من غير رجوع وارتداد، وقد زاد في تأكيد القول بتذييله بقوله: (وهو السميع العليم) إذ هو تعالى لما كان سميعا لأقوالهم عليما بأحوالهم فلا ينبغي أن يقول القائل: آمنت بالله الا عن ظهر القلب ومع الصبر على كل فتنة ومحنة.
ومن هنا يظهر أن ذيل الآية: (فان أجل الله لات) الخ، من قبيل وضع