غيرها وهو ظاهر بل الذي ذكر من الايذاء والفتنة انما كان بمكة فلم تكن في المدينة بعد الهجرة فتنة.
وأما حديث النصر فالنصر غير منحصر في الفتح والغنيمة فله مصاديق اخر يفرج الله بها عن عباده. على أن الآية لا تخبر عنه بما يدل على التحقق فقوله: (فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك قالوا انا كنا معكم) يدل على تحقق الايذاء والفتنة حيث عبر بإذا الدالة على تحقق الوقوع بخلاف مجيئ النصر حيث عبر عنه بان الشرطية الدالة على امكان الوقوع دون تحققه.
وأما قوله تعالى: (ومن جاهد) الخ فقد اتضح مما تقدم أن المراد به جهاد النفس دون مقاتلة الكفار فالحق أن لا دلالة في شئ من الآيات على كون السورة أو بعضها مدنية.
قوله تعالى: (وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شئ انهم لكاذبون) المراد بالذين كفروا مشركوا مكة الذين أبدوا الكفر أول مرة بالدعوة الحقة، وبالذين آمنوا المؤمنون بها أول مرة وقولهم لهم: (اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم) نوع استمالة لهم وتطييب لنفوسهم أن لو رجعوا إلى الشرك واتبعوا سبيلهم لم تكن عليهم تبعة على أي حال: إذ لو لم تكن في ذلك خطيئة فهو، وان كانت فهم حاملون لها عنهم، ولذلك لم يقولوا: ولنحمل خطاياكم لو كانت بل أطلقوا القول من غير تقييد.
فكأنهم قالوا: لنفرض أن اتباعكم لسبيلنا خطيئة فانا نحملها عنكم ونحمل كل ما يتفرع عليه من الخطايا أو انا نحمل عنكم خطاياكم عامة ومن جملتها هذه الخطيئة.
وقوله: (وما هم بحاملين من خطاياهم من شئ) رد لقولهم: (ولنحمل خطاياكم وهو رد محفوف بحجة إذ لو كان اتباعهم لسبيلهم ورجوعهم عن الايمان بالله خطيئة كان خطيئة عند الله لاحقة بالراجعين وانتقالها عن عهدتهم إلى غيرهم يحتاج إلى اذن من الله ورضى فهو الذي يؤاخذهم به ويجازيهم وهو سبحانه يصرح ويقول: (ما هم بحاملين من خطاياهم من شئ) وقد عمم النفي لكل شئ من خطاياهم.
وقوله: (انهم لكاذبون) تكذيب لهم لما أن قولهم: (ولنحمل خطاياكم) يشتمل على دعوى ضمني أن خطاياهم تنتقل إليهم لو احتملوها وأن الله يجيز لهم ذلك.