تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ١٠٤
مصدر في معنى الوصف قائم مقام مفعول مطلق محذوف والتقدير: ووصينا الانسان بوالديه توصية حسنة أو ذات حسن أي أمرناه أن يحسن إليهما وهذا مثل قوله: (وقولوا للناس حسنا) أي قولا حسنا أو ذا حسن، ويمكن أن يكون وضع المصدر موضع الوصف للمبالغة نحو زيد عدل، وربما وجه بتوجيهات أخر.
وقوله: (وان جاهداك على أن لتشرك بي) الخ، تتميم للتوصية بخطاب شفاهي للانسان بنهيه عن إطاعة والديه ان دعواه إلى الشرك والوجه في ذلك أن التوصية في معنى الامر فكأنه قيل: وقلنا للانسان أحسن إلى والديك وان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما.
ولم يقل: وأن لا يطيعهما ان جاهداه على أن يشرك الخ، لما في الخطاب من الصراحة وارتفاع الابهام ولذلك قال أيضا: (لتشرك بي) بضمير المتكلم وحده فافهمه ويؤل معنى الجملة إلى أنا نهيناه عن الشرك طاعة لهما ورفعنا عنه كل ابهام.
وفى قوله: (ما ليس لك به علم إشارة إلى علة النهى عن الطاعة فان دعوتهما إلى الشرك بعبادة اله من دون الله دعوة إلى الجهل وعبادة ما ليس له به علم افتراء على الله وقد نهى الله عن اتباع غير العلم قال: (ولا تقف ما ليس لك به علم) أسرى:
38، وبهذه المناسبة ذيلها بقوله: (إلى مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون) أي سأعلمكم ما معنى أعمالكم ومنها عبادتكم الأصنام وشرككم بالله سبحانه.
ومعنى الآية: وعهدنا إلى الانسان في والديه عهدا حسنا - وأمرناه أن أحسن إلى والديك - وان بذلا جهدهما أن تشرك بي فلا تطعهما لأنه اتباع ما ليس لك به علم.
وفى الآية - كما تقدمت الإشارة إليه - توبيخ تعريضي لبعض من كان قد آمن ثم رجع عن ايمانه بمجاهدة من والديه.
قوله تعالى: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين) معنى الآية ظاهر، وفى وقوعها بعد الآية السابقة وفى سياقها، دلالة على وعد جميل منه تعالى وتطييب نفس لمن ابتلى من المؤمنين بوالدين مشركين يجاهدانه على الشرك فعصاهما وفارقهما، يقول سبحانه: ان جاهداه على الشرك فعصاهما وهجرهما ففاتاه لم يكن بذلك بأس فانا سنرزقه خيرا منهما وندخله بايمانه وعمله الصالح في الصالحين وهم العباد
(١٠٤)
مفاتيح البحث: الجهل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 ... » »»
الفهرست