وفي نهج البلاغة في كلام له لعمر لما استشاره لانطلاقه لقتال أهل الفارس حين تجمعوا للحرب قال عليه السلام: إن هذا الامر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا بقلة، وهو دين الله الذي أظهره، وجنده الذي أعزة وأيده حتى بلغ ما بلغ وطلع حيث طلع ونحن على موعود من الله تعالى حيث قال عز اسمه: وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض وليمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا.
والله تعالى منجز وعده وناصر جنده، ومكان القيم في الاسلام مكان النظام من الخرز فإن انقطع النظام تفرق ورب متفرق لم يجتمع، والعرب اليوم وإن كانوا قليلا فهم كثيرون بالاسلام عزيزون بالاجتماع فكن قطبا واستدر الرحى بالعرب، وأصلهم دونك نار الحرب فإنك إن شخصت من هذه الأرض تنقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهم إليك مما بين يديك، وكان قد آن للأعاجم أن ينظروا إليك غدا يقولون: هذا أصل العرب فإذا قطعتموه استرحتم فيكون ذلك أشد لكلبهم عليك وطمعهم فيك.
فأما ما ذكرت من عددهم فإنا لم نقاتل فيما مضى بالكثرة وإنما كنا نقاتل بالنصر والمعونة.
أقول: وقد استدل به في روح المعاني على ما ارتضاه من كون المراد بالاستخلاف في الآية ظهور الاسلام وارتفاع قدره في زمن الخلفاء الراشدين وهو بمعزل عن ذلك بل دليل على خلافه، فإن ظاهر كلامه أن الوعد الإلهي لم يتم أمر إنجازه بعد وأنهم يومئذ في طريقه حيث يقول: والله منجز وعده، وأن الدين لم يمكن بعد ولا الخوف بدل أمنا وكيف لا؟ وهم بين خوفين خوف من تنقض العرب من داخل وخوف من مهاجمة الأعداء من خارج.
و في الدر المنثور أخرج ابن مردويه عن أبي الشعثا قال: كنت جالسا مع حذيفة و ابن مسعود فقال حذيفة ذهب النفاق إنما كان النفاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما هو اليوم الكفر بعد الايمان فضحك ابن مسعود ثم قال: بم تقول؟ قال: بهذه الآية " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات " إلى آخر الآية.