حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء " آل عمران 38.
ولا يرتاب المتدبر في الآيتين أن الذي دعا زكريا ودفعه إلى دعائه بما دعا هو ما شاهده من حال مريم وكرامتها على الله سبحانه في عبوديتها وإخلاصها العمل فأحب أن يخلفه خلف له من القرب والكرامة ما شاهد مثله في مريم ثم ذكر ما هو عليه من الشيب ونفاد القوة وما عليه امرأته من كبر السن والعقر وله موال لا يرتضيهم فوجد لذلك وهو ذاكر ما عوده ربه من استجابة الدعوة وكفاية كل مهمة ففزع إلى ربه بالدعاء واستيهاب ذرية طيبة.
فقوله في، سورة آل عمران: " رب هب لي من لدنك ذرية طيبة " بحذاء قوله في سورة مريم: " فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا "، وقوله هناك: " طيبة " بحذاء قوله هنا: " واجعله رب رضيا " والمراد به ما شاهده من القرب والكرامة عند الله لمريم وعملها الصالح فيبقى قوله هناك: " هب لي من لدنك ذرية بحذاء "، قوله هنا: " فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب " وهو يفسره فالمراد بقوله: " وليا يرثني " الخ، ولد صلبي يرثه.
ومن هنا يظهر فساد ما قيل: " إنه عليه السلام طلب بقوله: " فهب لي من لدنك وليا يرثني " الخ، من يقوم مقامه ويرثه ولدا كان أو غيره، وكذا ما قيل: إنه أيس أن يولد له من امرأته فطلب من يرثه ويقوم مقامه من سائر الناس.
وذلك لصراحة قوله في نفس القصة في سورة آل عمران: " رب هب لي من لدنك ذرية طيبة " في طلب الولد.
على أن التعبير بمثل " هب لي " المشعر بنوع من الملك لا يستقيم في سائر الناس من الأجانب وإنما الملائم له التعبير بالجعل ونحوه كما في قوله تعالى: " واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا: النساء: 75.
ومن هنا يظهر أيضا أن المراد بقوله: " وليا يرثني الولد كما عبر عنه في آية آل عمران بالذرية فالمراد بالولي الذرية وهو ولي في الإرث، والمراد بالوراثة وراثة ما