تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ١١
تركه الميت من الأموال وأمتعة الحياة، وهو المتبادر إلى الذهن من الإرث بلا ريب إما لكونه حقيقة في المال ونحوه مجازا في غيره كالإرث المنسوب إلى العلم وسائر الصفات والحالات المعنوية وإما لكونه منصرفا إلى المال إن كان حقيقة في الجميع فاللفظ على أي حال ظاهر في وراثة المال ويتعين بانضمامه إلى الولي كون المراد به الولد، ويزيد في ظهوره في ذلك قوله قبل: " وإني خفت الموالي من ورائي " على ما سيأتي من البيان إن شاء الله.
وأما قول من قال: إن المراد به وراثة النبوة وإنه طلب من ربه أن يهب له ولدا يرثه النبوة فيدفعه ما عرفت آنفا أن الذي دعاه عليه السلام إلى هذا الدعاء والمسألة هو ما شاهده من مريم ولا خبر في ذلك عن النبوة ولا أثر فأي رابطة بين أن يشاهد منها عبادة وكرامة فيعجبه ذلك وبين أن يطلب من ربه ولدا يرثه النبوة؟
على أن النبوة مما لا يورث بالنسب وهو ظاهر ولو أصلح ذلك بأن المراد بالوراثة مجرد إتيان نبي بعد نبي أو ظهور نبي من ذرية نبي بنوع من العناية مجازا ظهر الاشكال من جهة أخرى وهي عدم ملاءمة ذلك قوله بعد: " واجعله رب رضيا " إذ لا معنى لقول القائل: هب لي ولدا نبيا واجعله رضيا، ولو حمل على التأكيد كان من تأكيد الشئ بما هو دونه، وكذا احتمال أن يكون المراد بالرضى المرضي عند الناس لمنافاته إطلاق المرضي كما تقدم مع عدم مناسبته لداعيه كما مر.
ويقرب منه في الفساد قول من قال: إن المراد به وراثة العلم وإنه طلب من ربه أن يهب له ولدا يرثه علمه، إذ لا معنى لان يشاهد زكريا من مريم عبادة وكرامة فيعجبه ذلك فيطلب من ربه ولدا يرثه علمه من دون أي مناسبة بين الداعي والمدعو إليه.
والقول بأن المراد بالوراثة وراثة العلم وبقوله: " واجعله رب رضيا " العمل الصالح ومجموع العلم النافع والعمل الصالح يقرب مما شاهده من مريم من الاخلاص والعبادة والكرامة.
يدفعه أن قوله: " واجعله رب رضيا " يكفي وحده في الدلالة على طلب العلم النافع والعمل الصالح لمكان الاطلاق، وإنما الانسان المحسن عملا مع الغض عن العلم مرضي العمل ولا يسمى مرضيا مطلقا البتة، ونظير ذلك القول بأن المراد بالرضى
(١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 ... » »»
الفهرست