وقد قدم قوله: " رب " للاسترحام في مفتتح الدعاء، والتأكيد بأن للدلالة على تحققه بالحاجة والوهن هو الضعف ونقصان القوة وقد نسبه إلى العظم لأنه الدعامة التي يعتمد عليها البدن في حركته وسكونه، ولم يقل: العظام مني ولا عظمي للدلالة على الجنس وليأتي بالتفصيل بعد الاجمال.
وقوله: " واشتعل الرأس شيبا " الاشتعال انتشار شواظ النار ولهيبها في الشئ المحترق قال في المجمع: وقوله: " واشتعل الرأس شيبا " من أحسن الاستعارات والمعنى اشتعل الشيب في الرأس وانتشر، كما ينتشر شعاع النار، وكأن المراد بالشعاع الشواظ واللهيب.
وقوله ولم أكن بدعائك رب شقيا " الشقاوة خلاف السعادة وكأن المراد بها الحرمان من الخير وهو لازم الشقاوة أو هو هي، وقوله: " بدعائك " متعلق بالشقي والباء فيه للسببية أو بمعنى في والمعنى وكنت سعيدا بسبب دعائي إياك كلما دعوتك استجبت لي من غير أن تشقيني وتحرمني، أو لم أكن محروما خائبا في دعائي إياك عودتني الإجابة إذا دعوتك والتقبل إذا سألتك، والدعاء على أي حال مصدر مضاف إلى المفعول.
وقيل: إن " دعائك " مصدر مضاف إلى الفاعل، والمعنى لم أكن بدعوتك إياي إلى العبودية والطاعة شقيا متمردا غير مطيع بل عابدا لك مخلصا في طاعتك والمعنى الأول أظهر.
وفى تكرار قوله: " رب " ووضعه متخللا بين اسم كان وخبره في قوله: " ولم أكن بدعائك رب شقيا " من البلاغة ما لا يقدر بقدر، ونظيره قوله: " واجعله رب رضيا ".
قوله تعالى: " وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا " تتمة التمهيد الذي قدمه لدعائه، والمراد بالموالي العمومة وبنو العم، وقيل: الكلالة وقيل:
العصبة، وقيل: بنو العم فحسب، وقيل: الورثة وكيف كان فهم غير الأولاد من صلب والمراد خفت فعل الموالي من ورائي أي بعد موتى وكان عليه السلام يخاف أن يموت بلا عقب من نسله فيرثوه، وهو كناية عن خوفه أن يموت بلا عقب.