مقصودة بالقصد الأول وإنما هي قرينة معينة لكون المراد بالولي هو الولد نعم هي في نفسها تدل على أنه لو كان له ولد لورثه ماله، وليس في ذلك ولا في قوله: وإني خفت الموالي من ورائي " وحاله حال قوله: " وليا يرثني " دلالة على تعلق قلبه عليه السلام بالدنيا الفانية ولا بزخارف حياتها التي هي متاع الغرور.
وأما طلب الولد فهو مما فطر الله عليه النوع الانساني سواء في ذلك الصالح والطالح والنبي ومن دونه وقد جهز الجميع بجهاز التوالد والتناسل وغرز فيهم ما يدعوهم إليه، فالواحد منهم لو لم ينحرف طباعه ينساق إلى طلب الولد ويرى بقاء ولده بعده بقاء لنفسه واستيلاءهم على ما كان مستوليا عليه من أمتعة الحياة - وهذا هو الإرث - استيلاء نفسه وعيش شخصه هذا.
والشرائع الإلهية لم تبطل هذا الحكم الفطري ولا ذمت هذه الداعية الغريزية بل مدحته وندبت إليه، وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تدل على ذلك كقوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام " رب هب لي من الصالحين " الصافات: 100، وقوله: " الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربى لسميع الدعاء " إبراهيم: 39، وقوله حكاية عن المؤمنين: " ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين " الفرقان: 74 إلى غير ذلك من الآيات.
فإن قلت: ما تقدم من الوجه في معنى الوراثة كان مبنيا على أن يستفاد من قوله:
" هنالك دعا زكريا ربه الآية، أن الذي دعاه إلى طلب الولد هو ما شاهده من عبادة مريم وكرامتها عند الله سبحانه فأحب أن يرزق ولدا يماثلها في العبادة والكرامة لكن يمكن أن يكون داعيه غير ذلك فقد ورد في بعض الآثار أن زكريا كان يجد عند مريم فواكه في غير موسمها ثمرة الشتاء في الصيف وثمرة الصيف في الشتاء فقال في نفسه:
إذا كان الله لا يعز عليه أن يرزقها ثمرة الشتاء في الصيف وثمرة الصيف في الشتاء لم يعز عليه أن يرزقني ولدا في غير وقته وأنا شيخ فان وامرأتي عاقر فقال: هب لي من لدنك وليا يرثني.
فمشاهدة الثمرة في غير موسمها بعثه إلى طلب الولد في غير وقته لكن هذا النبي الكريم أجل من أن يطلب الولد ليرث ماله فهو إنما طلبه ليرث النبوة أو العلم أو العبادة والكرامة.