تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٦
وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا (13) - وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا (14) - وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا (15) (بيان) غرض السورة على ما ينبئ عنه قوله تعالى في آخرها: " فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا "، الخ، هو التبشير والانذار غير أنه ساق الكلام في ذلك سوقا بديعا فأشار أولا إلى قصة زكريا ويحيى وقصة مريم وعيسى وقصة إبراهيم وإسحاق ويعقوب وقصة موسى وهارون وقصة إسماعيل وقصة إدريس وما خصهم به من نعمة الولاية كالنبوة والصدق والاخلاص ثم ذكر أن هؤلاء الذين أنعم عليهم كان المعروف من حالهم الخضوع والخشوع لربهم لكن أخلافهم أعرضوا عن ذلك وأهملوا أمر التوجه إلى ربهم واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ويضل عنهم الرشد إلا أن يتوب منهم تائب ويرجع إلى ربه فإنه يلحق بأهل النعمة.
ثم ذكر نبذة من هفوات أهل الغي وتحكماتهم كنفي المعاد، وقولهم: اتخذ الله ولدا، وعبادتهم الأصنام، وما يلحقهم بذلك من النكال والعذاب.
فالبيان في السورة أشبه شئ ببيان المدعى بايراد أمثلته كأنه قيل: إن فلانا وفلانا وفلانا الذين كانوا أهل الرشد والموهبة كانت طريقتهم الانقلاع عن شهوات النفس والتوجه إلى ربهم وسبيلهم الخضوع والخشوع إذا ذكروا بآيات ربهم فهذا طريق الانسان إلى الرشد والنعمة لكن أخلافهم تركوا هذا الطريق بالاعراض عن صالح العمل، والاقبال على مذموم الشهوة ولا يؤديهم ذلك إلا إلى الغي خلاف الرشد، ولا يقرهم إلا على باطل القول كنفي الرجوع إلى الله وإثبات الشركاء لله وسد طريق الدعوة ولا يهديهم إلا إلى النكال والعذاب.
فالسورة كما ترى تفتح بذكر أمثلة ثم تعقبها باستخراج المعنى الكلي المطلوب بيانه وذلك قوله: " أولئك الذين أنعم الله عليهم " الآيات، فالسورة تقسم الناس إلى
(٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»
الفهرست