تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٣٥
أهلها لتنقطع عنهم وتعتكف للعبادة كما يشير إليه قوله: " كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا " آل عمران: 37 وقد مر الكلام في تفسير الآية.
وقيل: " إنها كانت تقيم المسجد حتى إذا حاضت خرجت منها وأقامت في بيت زكريا حتى إذا طهرت عادت إلى المسجد فبينما هي في مشرفة لها في ناحية الدار وقد ضربت بينها وبين أهلها حجابا لتغتسل إذ دخل عليها جبرائيل في صورة شاب أمرد سوى الخلق فاستعاذت بالله منه.
وفيه أنه لا دليل على هذا التفصيل من جهة اللفظ، وقد عرفت أن آية آل عمران لا تخلو من تأييد للمعنى السابق.
وقوله: " فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا " ظاهر السياق أن فاعل " تمثل " ضمير عائد إلى الروح فالروح المرسل إليها هو المتمثل لها بشرا سويا ومعنى تمثله لها بشرا ترائيه لها، وظهوره في حاستها في صورة البشر وهو في نفسه روح وليس ببشر.
وإذ لم يكن بشرا وليس من الجن فقد كان ملكا بمعنى الخلق الثالث الذي وصفه الله سبحانه في كتابه وسماه ملكا، وقد ذكر سبحانه ملك الوحي في كلامه وسماه جبريل بقوله: " من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك " البقرة: 97 وسماه روحا في قوله: " قل نزله روح القدس من ربك " النحل: 102 وقوله: " نزل به الروح الأمين على قلبك " الشعراء: 194 وسماه رسولا في قوله: " إنه لقول رسول كريم " الحاقة: 40، فبهذا كله يتأيد أن الروح الذي أرسله الله إليها إنما هو جبريل.
وأما قوله: " إذ قالت الملائكة يا مريم ان الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم - إلى أن قال - قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يفعل ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون " آل عمران: 47.
فتطبيقه على الآيات التي نحن فيها لا يدع ريبا في أن قول الملائكة لمريم ومحاورتهم معها المذكور هناك هو قول الروح لها المذكور ههنا، ونسبة قول جبريل إلى الملائكة من قبيل نسبة قول الواحد من القوم إلى جماعتهم لاشتراكهم معه في خلق أو سنة أو عادة، وفي القرآن منه شئ كثير كقوله تعالى: " يقولون لئن رجعنا إلى المدينة
(٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 ... » »»
الفهرست