تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٣٧
مقدار جثة الانسان فإن تساقطت أجزاؤه الزائدة على مقدار جثه الانسان لزم أن لا يبقى جبريل، وإن لم تتساقط لزم تداخلها وهو محال.
الثاني: أنه لو جاز التمثل ارتفع الوثوق وامتنع القطع بأن هذا الشخص الذي يرى الان هو زيد الذي رئي بالأمس لاحتمال التمثل.
الثالث أنه لو جاز التمثل بصورة الانسان جاز التمثل بصورة غيره كالبعوض والحشرات وغيرها ومعلوم أن كل مذهب يجر إلى ذلك فهو باطل.
الرابع: أنه لو جاز ذلك ارتفع الوثوق بالخبر المتواتر كخبر مقاتلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر لجواز أن يكون المقاتل هو المتمثل به.
وأجيب عن الأول: بأنه لا يمتنع أن يكون لجبريل أجزاء أصلية قليلة وأجزاء فاضلة ويتمكن بالاجزاء من أن يتمثل بشرا هذا على القول بأنه جسم وأما على القول بكونه روحانيا فلا استبعاد في أن يتدرع تارة بالهيكل العظيم وأخرى بالهيكل الصغير.
وأنت ترى أن أول الشقين في الجواب كأصل الاشكال مبنى على كون التمثل تغيرا من المتمثل في نفسه وبطلان صورته الأولى وانتقاله إلى صورة أخرى، وقد تقدم أن التمثل ظهوره في صورة ما وهو في نفسه بخلافها.
والآية بسياقها ظاهرة في أن جبريل لم يخرج بالتمثل عن كونه ملكا ولا صار بشرا في نفسه وإنما ظهر لها في صورة البشر فهو كذلك في ظرف إدراكها لا في نفسه وفي الخارج عن ظرف إدراكها، ونظير ذلك نزول الملائكة الكرام في قصة البشارة بإسحاق وتمثلهم لإبراهيم ولوط عليهما السلام في صورة البشر ونظيره ظهور إبليس في صورة سراقة بن مالك يوم بدر، وقد أشار تعالى إليه في سورة الأنفال الآية وقد كان سراقة يومئذ بمكة.
وفي الروايات من ذلك شئ كثير كتمثل إبليس يوم الندوة للمشركين في صورة شيخ كبير، وتمثله يوم العقبة في صورة منبه بن الحجاج، وتمثله ليحيى عليه السلام في صورة عجيبة، ونظير تمثل الدنيا لعلي عليه السلام في صورة مرأة حسناء فتانة كما في الرواية، وما ورد من تمثل المال والولد والعمل للانسان عند الموت، وما ورد من تمثل الأعمال للانسان في القبر ويوم القيامة. ومن هذا القبيل التمثلات المنامية كتمثل العدو في
(٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 ... » »»
الفهرست