تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٢٤٦
توجيهه بأن الاقتراب لتحقق الوقوع فكل ما هو آت قريب.
وقوله: " وهم في غفلة معرضون " ذلك أنهم تعلقوا بالدنيا واشتغلوا بالتمتع فامتلأت قلوبهم من حبها فلم يبق فيها فراغ يقع فيها ذكر الحساب وقوعا تتأثر به حتى أنهم لو ذكروا لم يذكروا وهو الغفلة فإن الشئ كما يكون مغفولا عنه لعدم تصوره من أصله قد يكون مغفولا عنه لعدم تصوره كما هو حقه بحيث تتأثر النفس به.
وبهذا يظهر الجواب عن الاشكال بأن الجمع بين الغفلة وهي تلازم عدم التنبه للشئ والاعراض وهو يستلزم التنبه له جمع بين المتنافيين، ومحصل الجواب أنهم في غفلة عن الحساب لعدم تصورهم إياه كما هو حقه وهم معرضون عنه لاشتغالهم عن لوازم العلم بخلافها.
وأجاب عنه الزمخشري بما لفظه: وصفهم بالغفلة مع الاعراض على معنى أنهم غافلون عن حسابهم ساهون لا يتفكرون في عاقبتهم ولا يتفطنون لما يرجع إليه خاتمة أمرهم مع اقتضاء عقولهم أنه لابد من جزاء للمحسن والمسئ وإذا قرعت لهم العصا ونبهوا عن سنة الغفلة وفطنوا لذلك بما يتلى عليهم من الآيات والنذر أعرضوا وسدوا أسماعهم ونفروا. انتهى.
والفرق بينه وبين ما وجهنا به أنه أخذ الاعراض في طول الغفلة لا في عرضه، والانصاف أن ظاهر الآية اجتماعهما لهم في زمان واحد، لا ترتب الوصفين زمانا.
ودفع بعضهم الاشكال بأخذ الاعراض بمعنى الاتساع فالمعنى وهم متسعون في غفلة، وآخرون بأخذ الغفلة بمعنى الاهمال ولا تنافي بين الاهمال والاعراض، والوجهان من قبيل الالتزام بما لا يلزم.
والمعنى: اقترب للناس حساب أعمالهم والحال أنهم في غفلة مستمرة أو عظيمة معرضون عنه باشتغالهم بشواغل الدنيا وعدم التهيؤ له بالتوبة والايمان والتقوى.
قوله تعالى: " ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم " الآية بمنزلة التعليل لقوله: " وهم في غفلة معرضون " إذ لو لم يكونوا في غفلة معرضين لم يلعبوا ولم يتلهوا عند استماع الذكر الذي لا ينبههم إلا على ما يهمهم التنبه له ويجب عليهم التهيؤ له، ولذلك جئ بالفصل من غير عطف.
والمراد بالذكر ما يذكر به الله سبحانه من وحي إلهي كالكتب السماوية ومنها
(٢٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 ... » »»
الفهرست