الامرين في ضمن دعائه إذ قال: رب إني وهن العظم مني " الخ، مبنى على استعجاب البشرى واستفسار خصوصياتها دون الاستبعاد والانكار فإن من بشر بما لا يتوقعه لتوفر الموانع وفقدان الأسباب تضطرب نفسه بادئ ما يسمعها فيأخذ في السؤال عن خصوصيات ما بشر به ليطمئن قلبه ويسكن اضطراب نفسه وهو مع ذلك على يقين من صدق ما بشر به فإن الخطورات النفسانية ربما لا تنقطع مع وجود العلم والايمان وقد تقدم نظيره في تفسير قوله تعالى: " وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي " البقرة: 260.
قوله تعالى: " قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا " جواب عما استفهمه واستفسره لتطيب به نفسه، ويسكن جأشه، وضمير قال راجع إليه تعالى، وقوله: " كذلك " مقول القول وهو خبر مبتدء محذوف والتقدير " هو كذلك " أي الامر واقع على ما أخبرناك به في البشرى لا ريب فيه.
وقوله: " قال ربك هو علي هين مقول ثان لقال الأول، وهو بمنزلة التعليل لقوله: " كذلك " يرتفع به أي استعجاب فلا يتخلف عن إرادته مراد وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن، فخلق غلام من رجل بالغ في الكبر وامرأة عاقر هين سهل عليه.
وقد وقع التعبير عن هذا الاستفهام والجواب في سرد القصة من سورة آل عمران بقوله: " قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشاء " آل عمران: 40 فقوله: " قال هو على هين " ههنا يحاذي قوله هناك: " الله يفعل ما يشاء " وهو يؤيد ما قدمناه من المعنى، وقوله ههنا: " وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا " بيان لبعض مصاديق الخلق الذي يرفع به الاستعجاب.
وفي الآية وجوه أخر تعرضوا لها: منها أن قوله: " كذلك " متعلق بقال الثاني ومجموع الجملة هو الجواب والمراد أمر ربك بذلك وقضى كذلك، وقوله: " هو علي هين " مقول آخر للقول أو أنه جئ به على سبيل الحكاية.
ومنها أن الخطاب في قوله: " قال ربك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لا لزكريا عليه السلام وتلك وجوه لا يساعد عليها السياق.