هناك فنشأ إسماعيل عليه السلام وبنيت بلدة مكة، وبنى إبراهيم عليه السلام الكعبة البيت الحرام ودعا الناس إلى دينه الحنيف وهو الاسلام فاستجيب له في الحجاز وما والاها وشرع لهم الحج كما يدل على جملة ذلك قول الله تعالى له فيما يحكيه القرآن:
(وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق)، الحج: 27 ثم تهود بعض الاعراب لمعاشرة كانت بينهم وبين اليهود النازلين بالحجاز، وتسربت النصرانية إلى بعض أقطار الجزيرة، والمجوسية إلى بعضها الاخر.
ثم وقعت وقائع بين آل إسماعيل وجرهم بمكة حتى آل إلى غلبة آل إسماعيل وإجلاء جرهم منها واستولى عمرو بن لحى على مكة وما والاها.
ثم إنه مرض مرضا شديدا فقيل له: إن البلقاء من أرض الشام حمة لو استحممت بها برئت فقصدها واستحم بها فبرئ، ورأى هناك قوما يعبدون الأصنام فسألهم عنها فقالوا: هذه أرباب اتخذناها على شكل الهياكل العلوية والاشخاص البشرية نستنصر بها فننصر ونستسقي بها فنسقي فأعجبه ذلك فطلب منهم صنما من أصنامهم فدفعوا إليه هبل فرجع إلى مكة ووضعه على الكعبة، وكان معه إساف ونائلة وهما صنمان على شكل زوجين - كما في الملل والنحل - أو شابين - كما في غيره - فدعا الناس إلى عبادة الأصنام وروج ذلك بين قومه فعادوا يعبدونها بعد إسلامهم وقد كانوا يسمون حنفاء لاتباعهم ملة إبراهيم عليه السلام فبقى عليهم الاسم وهجرهم المعنى وصار الحنفاء اسما للوثنيين (1) منهم.
وكان مما يقربهم إلى الوثنية أن الكعبة المشرفة كان يعظمها اليهود والنصارى والمجوس والوثنية جميعا فكان لا يظعن من مكة ظاعن إلا حمل معه شيئا من حجارة الحرم تبركا وصبابة، وحيثما حلوا وضعوه وطافوا به تيمنا وحبا للكعبة والحرم.
وعن هذه الأسباب شاعت الوثنية بين العرب عاربهم ومستعربهم ولم يبق من أهل التوحيد بينهم إلا آحاد لا يذكرون، وكان من الأصنام المعروفة بينهم هبل وإساف ونائلة، وهى التي أتى بها عمرو بن لحى ودعا إليها الناس، واللات والعزى