(بيان) في الآيتين إبانة أن علم الساعة من الغيب المختص به تعالى لا يعلمه إلا الله، ولا دليل لتعيين وقتها والحدس لوقوعها أصلا فلا تأتي إلا بغتة. وفيه إشارة ما إلى حقيقتها بذكر بعض أوصافها.
قوله تعالى: " يسألونك عن الساعة أيان مرساها - إلى قوله - إلا هو " الساعة ساعة البعث والرجوع إلى الله لفصل القضاء العام فاللام للعهد لكنه صار في عرف القرآن والشرع كالحقيقة في هذا المعنى.
والمرسى اسم زمان ومكان ومصدر ميمي من أرسيت الشئ إذا أثبته، أي متى وقوعها وثبوتها، والتجلية الكشف والاظهار يقال جلاه فانجلى أي كشف عنه فانكشف.
فقوله: " لا يجليها لوقتها إلا هو " أي لا يظهرها ولا يكشف عنها في وقتها وعند وقوعها إلا الله سبحانه، ويدل ذلك على أن ثبوتها ووجودها والعلم بها واحد أي إنها محفوظة في مكمن الغيب عند الله تعالى يكشف عنها ويظهرها متى شاء من غير أن يحيط بها غيره سبحانه أو يظهر لشئ من الأشياء وكيف يمكن أن يحيط بها شئ من الأشياء أو ينكشف عنده، وتحققها وظهورها يلازم فناء الأشياء، ولا شئ منها يسعه أن يحيط بفناء نفسه أو يظهر له فناء ذاته، والنظام السببي الحاكم في الكون يتبدل عند وقوعها، وهذا العلم الذي يصحبها من هذا النظام.
ومن هنا يظهر: أن المراد بقوله: " ثقلت في السماوات والأرض " - والله أعلم - ثقل علمها في السماوات والأرض وهو بعينه ثقل وجودها فلا ثمرة لاختلافهم في أن المراد بثقل الساعة فيها ثقل علمها عليها، أو المراد ثقل صفتها على أهل السماوات والأرض لما فيها من الشدائد والعقاب والحساب والجزاء، أو ثقل وقوعها عليهم لما فيها من انطواء السماء وانتشار الكواكب واجتماع الشمس والقمر وتسيير الجبال، أو أن السماوات والأرض لا تطيق حملها لعظمتها وشدتها.
وذلك أنها ثقيلة بجميع ما يرجع إليها من ثبوتها والعلم بها وصفاتها على السماوات والأرض، ولا تطيق ظهورها لملازمته فناءها والشئ لا يطيق فناء نفسه.