فيرجع معنى الآية إلى أنه لو نزغ الشيطان بأعمالهم المبنية على الجهالة وإساءتهم إليك ليسوقك بذلك إلى الغضب والانتقام فاستعذ بالله أنه سميع عليم، والآية مع ذلك عامة خوطب بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقصد بها أمته لعصمته.
قوله تعالى: " إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون " نحو تعليل للامر في الآية السابقة والطائف من الشيطان هو الذي يطوف حول القلب ليلقي إليه الوسوسة أو وسوسته التي تطوف حول القلب لتقع فيه وتستقر عليه، و " من " بيانية على الأول، ونشوئية على الثاني، ومآل المعنيين مع ذلك واحد والتذكر تفكر من الانسان في أمور لتهديه إلى نتيجة مغفول عنها أو مجهولة قبله.
والآية بمنزلة التعليل للأمر بالاستعاذة في الآية السابقة، والمعنى استعذ بالله عند نزغة الشيطان فإن هذا طريق المتقين فهم إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا أن الله هو ربهم الذي يملكهم ويربيهم يرجع إليه أمرهم فأرجعوا إليه الامر فكفاهم مؤنته، ودفع عنهم كيده، ورفع عنهم حجاب الغفلة فإذا هم مبصرون غير مضروب على أبصارهم بحجاب الغفلة.
فالآية - كما عرفت - في معنى قوله: " إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون " النحل - 99.
وقد ظهر أيضا أن الاستعاذة بالله نوع من التذكر لأنها مبنية على أن الله سبحانه وهو ربه هو الركن الوحيد الذي يدفع هذا العدو المهاجم بماله من قوة، وأيضا الاستعاذة نوع من التوكل كما مر.
قوله تعالى: " وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون " كأن الجملة حالية، والمراد بإخوانهم إخوان المشركين وهم الشياطين كما وقع قوله: " إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين " الاسراء - - 27 والاقصار الكف والانتهاء.
والمعنى: أن الذين اتقوا على هذا الحال من التذكر والابصار والحال أن إخوان المشركين من الشياطين يمدون المشركين في غيهم ويعينونهم ثم لا يكفون عن مدهم وإعانتهم، أو لا يكف المشركون ولا ينتهون عن غيهم.