تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٣٧١
ومن ذلك يظهر أيضا وجه قوله سبحانه: " لا تأتيكم إلا بغتة " فإن البغتة والفجأة ظهور الشئ من غير أن يعلم به قبل ظهوره، والساعة لثقلها لا يظهر وصف من أوصافها، ولا جزء من أجزائها قبل ظهورها التام، ولذلك كان ظهورها لجميع الأشياء بغتة.
ومن هنا أيضا يظهر معنى تتمة الآية: " يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله " الآية على ما سيأتي. قوله تعالى: " يسألونك كأنك حفي عنها " إلى آخر الآية، قال الراغب:
الحفي العالم بالشئ (انتهى) وكأنه مأخوذ من حفيت في السؤال إذا ألححت، وقوله:
" كأنك حفي " متخلل بين يسألونك والظرف المتعلق به، والأصل: يسألونك عنها كأنك حفي عالم بها، وهو يلوح إلى أنهم كرروا السؤال وألحوا عليه، ولذلك كرر السؤال والجواب بوجه في اللفظ.
ففي قوله ثانيا: يسألونك كأنك حفي عنها إشعار أو دلالة على أنهم حسبوا أن جوابه صلى الله عليه وآله وسلم بأمر ربه أولا " إنما علمها عند ربي " من قبيل إحالة علم ما لا يعلمه إلى ربه - على ما هو من أدب الدين - ولذا قال: " عند ربي " إشعارا بالعبودية ووظيفتها، وأن قوله: " لا يجليها لوقتها إلا هو " وصف لعظمتها من غير أن يرتبط ذلك بالعلم بوقتها، ولذلك كله كرروا السؤال ليقول صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك شيئا أو يعترف بجهله لنفسه.
فأمره الله سبحانه أن يعيد الجواب عليهم: " إنما علمها عند الله " دالا به على أن القول جد والجواب فصل، فهو من العلم لا من الجهل، والغرض به إفادة العلم بانحصار علمها فيه تعالى دون الجهل بها، وإحالة علمها إلى ربه عملا بوظيفة العبودية، ولذا بدل قوله في الجواب الأول " عند ربي " في هذا الجواب الثاني إلى قوله " عند الله ".
ثم قال: " ولكن أكثر الناس لا يعلمون " يشير به إلى جهلهم بمعنى قوله:
" إنما علمها عند ربي " الآية فإنهم لأنسهم بالحس والمحسوس يقيسون كل شئ سمعوه إلى المحسوس، ويعممون حكمه عليه فيظنون أن كل ما وصف لهم بوجه يسع لهم أن يعلموه ويحيطوا به علما، وأنه لو كان هناك أمر أخفي عنهم فإنما يخفى بالكتمان
(٣٧١)
مفاتيح البحث: الجهل (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 366 367 368 369 370 371 372 373 374 375 376 ... » »»
الفهرست