تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ١٦٦
أقول: قوله عليه السلام: إن للعرش صفات كثيرة الخ، يؤيد ما ذكرناه سابقا أن الاستواء على العرش لبيان اجتماع أزمة التدابير العالمية عند الله، ويؤيده ما في آخر الحديث من قوله: وبمثل صرف العلماء.
وقوله عليه السلام: " وهذا علم الكيفوفية في الأشياء " المراد به العلم بالعلل العالية والأسباب القصوى للموجودات فإن لفظ " كيف " عرفا كما يسأل به عن العرض المسمى اصطلاحا بالكيف كذلك يسأل به عن سبب الشئ ولمه، يقال: كيف وجد كذا؟
وكيف فعل زيد كذا وهو لا يستطيع؟.
وقوله عليه السلام: ثم العرش في الوصل مفرد عن الكرسي " الخ " مراده أن العرش والكرسي واحد من حيث إنهما مقام الغيب الذي يظهر منه الأشياء وينزل منه إلى هذا العالم لكن العرش في الصلة الكلامية متميز من الكرسي لان هذا المقام في نفسه ينقسم إلى مقامين وينشعب إلى بابين لكنهما مقرونان غير متبائنين: أحدهما الباب الظاهر الذي يلي هذا العالم، والآخر الباب الباطن الذي يليه ثم بينه بقوله: لان الكرسي هو الباب الظاهر " الخ ".
قوله عليه السلام: " لان الكرسي هو الباب الظاهر الذي منه مطلع البدع ومنها الأشياء كلها " أي طلوع الأمور البديعة على غير مثال سابق، ومنها يتحقق الأشياء كلها لان جميعها بديعة على غير مثال سابق، وهي إنما تكون بديعة إذا كانت مما لا يتوقع تحققها من الوضع السابق الذي كان أنتج الأمور السابقة على هذا الحادث التي تذهب هي ويقوم هذا مقامها فيؤل الامر إلى البداء بإمحاء حكم سبب وإثبات حكم الآخر موضعه فجميع الوقائع الحادثة في هذا العالم المستندة إلى عمل الأسباب المتزاحمة والقوى المتضادة بدع حادثة وبداءات في الإرادة.
وفوق هذه الأسباب المتزاحمة والإرادات المتغائرة التي لا تزال تتنازع في الوجود سبب واحد وإرادة واحدة حاكمة لا يقع إلا ما يريده فهو الذي يحجب هذا السبب بذاك السبب ويغير حكم هذه الإرادة ويقيد إطلاق تأثير كل شئ بغيره كمثل الذي يريد قطع طريق لغاية كذا فيأخذ في طيه، وبينما هو يطوي الطريق يقف أحيانا ليستريح زمانا، فعلة الوقوف ربما تنازع علة الطي والحركة و توقفها عن العمل والإرادة تغير
(١٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 ... » »»
الفهرست