تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ١٦٥
وقوله عليه السلام " وهو الملكوت الذي أراه الله أصفياءه " فالعرش هو الملكوت غير أن الملكوت اثنان ملكوت أعلى وملكوت أسفل، والعرش لكونه مقام الاجمال وباطن البابين من الغيب كما سيأتي ما يدل على ذلك من الرواية كان الأحرى به أن يكون الملكوت الاعلى.
وقوله عليه السلام: وكيف يحمل حملة العرش الله " الخ " تأكيد وتثبيت لأول الكلام: أن العرش هو مقام حمل وجود الأشياء وتقويمه، فحملة العرش محمولون له سبحانه لا حاملون كيف؟ ووجودهم وسير وجودهم يقوم به تعالى لا بأنفسهم، ولاعتباره عليه السلام هذا المقام الوجودي علما عبر عن وجودهم وعن كمال وجودهم بالقلوب، ونور الاهتداء إلى معرفة الله إذ قال: وبحياته حييت قلوبهم وبنوره اهتدوا إلى معرفته.
وفي التوحيد بإسناده عن حنان بن سدير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العرش والكرسي فقال: إن للعرش صفات كثيرة مختلفة، له في كل سبب وضع في القرآن صفة على حدة فقوله: " رب العرش العظيم " يقول: رب الملك العظيم، وقوله: " الرحمان على العرش استوى " يقول: على الملك احتوى، وهذا علم الكيفوفية في الأشياء.
ثم العرش في الوصل مفرد (1) عن الكرسي لأنهما بابان من أكبر أبواب الغيوب وهما جميعا غيبان، وهما في الغيب مقرونان لان الكرسي هو الباب الظاهر من الغيب الذي منه مطلع البدع ومنها الأشياء كلها، والعرش هو الباطن الذي يوجد فيه علم الكيف والكون والقدر والحد والأين والمشية وصفة الإرادة وعلم الألفاظ والحركات والترك وعلم العود والبدء.
فهما في العلم بابان مقرونان لان ملك العرش سوى ملك الكرسي، وعلمه أغيب من علم الكرسي فمن ذلك قال: " رب العرش العظيم " أي صفته أعظم من صفة الكرسي، وهما في ذلك مقرونان.
قلت: جعلت فداك فلم صار في الفضل جار الكرسي؟ قال عليه السلام: إنه صار جاره لان علم الكيفوفية فيه وفيه الظاهر من أبواب البداء وإنيتها وحد رتقها وفتقها فهذان جاران أحدهما حمل صاحبه في الصرف، وبمثل صرف العلماء، وليستدلوا على صدق دعواهما لأنه يختص برحمته من يشاء وهو القوي العزيز.

(1) متفرد خ ل.
(١٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 ... » »»
الفهرست