الملوك منا على عروشهم، وأكثر هؤلاء على أن العرش والكرسي شئ واحد، وهو الذي وصفناه.
وهؤلاء هم المشبهة من المسلمين، والكتاب والسنة والعقل تخاصمهم في ذلك وتنزه رب العالمين أن يماثل شيئا من خلقه ويشبهه في ذات، أو صفه أو فعل تعالى وتقدس.
2 - أن العرش هو الفلك التاسع المحيط بالعالم الجسماني والمحدد للجهات والأطلس الخالي من الكواكب، والراسم بحركته اليومية للزمان، وفي جوفه مماسا به الكرسي وهو الفلك الثامن الذي فيه الثوابت، وفي جوفه الأفلاك السبعة الكلية التي هي أفلاك السيارات السبع: زحل والمشتري والمريخ والشمس والزهرة وعطارد والقمر بالترتيب محيطا بعضها ببعض.
وهذه هي التي يفرضها علم الهيئة على مسلك بطليموس لتنظيم الحركات العلوية الظاهرة للحس طبقوا عليها ما يذكره القرآن من السماوات السبع والكرسي والعرش فما وجدوا من أحكامها المذكورة في الهيئة والطبيعيات لا يخالف الظواهر قبلوه، وما وجدوه يخالف الظواهر الموجودة في الكتاب ردوه كقولهم: ليس للفلك المحدد وراء لا خلا ولا ملا، وقولهم بدوام الحركات الفلكية، واستحالة الخرق والالتيام عليها، وكون كل فلك يماس بسطحه سطح غيره من غير وجود بعد بينها ولا سكنة فيها وكون أجسامها بسيطة متشابهة لا ثقب فيها ولا باب.
والظواهر من القرآن والحديث تثبت أن وراء العرش حجبا وسرادقات، وأن له قوائم، وإن له حملة، وأن الله سيطوي السماء كطي السجل للكتب، وأن في السماء سكنة من الملائكة ليس فيها موضع إهاب إلا وفيه ملك راكع أو ساجد يلجونه وينزلون منه ويصعدون إليه وأن للسماء أبوابا، وأن الجنة فيها عند سدرة المنتهى التي ينتهي إليها أعمال العباد إلى غير ذلك مما ينافي بظاهره ما افترضه علماء الهيئة والطبيعيات سابقا والقائلون منا إن السماوات والكرسي والعرش هي ما افترضوه من الأفلاك التسعة الكلية يدفعون ذلك كله بمخالفة الظواهر.
ولم ينبههم هذا الاختلاف في الوصف على أن ما يصفه القرآن غير ما يفترضه أولئك لتوجيه الحركات العلوية حتى أوضحت الأبحاث الأخيرة العميقة في الهيئة والطبيعيات المؤيدة بالحس و التجربة بطلان الفرضيات السابقة من أصلها فاضطر هؤلاء