تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ١٦٤
يظهر به الأشياء.
وقوله عليه السلام: فبعظمته ونوره أبصر قلوب المؤمنين " الخ " يريد أن هذا المقام هو المقام الذي ينشأ منه تدبير نظام السعادة الذي وقع فيه مجتمع المؤمنين وتسير عليه قافلتهم في مسيرهم إلى الله سبحانه، وينشأ منه نظام الشقاء الذي ينبسط على جميع المعاندين أعداء الله الجاهلين بمقام ربهم بل المقام الذي ينشأ منه النظام العالمي العام الذي يعيش تحته كل ذي وجود، ويسير به سائرهم للتقرب إليه بأعمالهم وسننهم سواء علموا بما هم فيه من ابتغاء الوسيلة إليه تعالى أو جهلوا.
وقوله عليه السلام: " وهو حياة كل شئ ونور كل شئ " كالتعليل المبين لقوله قبله فكل شئ محمول يحمله الله إلى آخر ما قال. ومحصله أنه تعالى هو الذي به يوجد كل شئ وهو الذي يدرك كل شئ، فيظهر به طريقه الخاص به في مسير وجوده ظهور الطريق المظلم لسائره بواسطة النور فهي لا تملك لانفسها شيئا بل الله سبحانه هو المالك لها الحامل لوجودها.
وقوله عليه السلام: هو هيهنا وهيهنا وفوق وتحت " الخ " يريد أن الله سبحانه لما كان مقوما الوجود كل شئ حافظا وحاملا له لم يكن محل من المحال خاليا عنه، ولا هو مختصا بمكان دون مكان، وكان معنى كونه في مكان أو مع شئ ذي مكان إنه تعالى حافظ له وحامل لوجوده ومحيط به، وهو وكذا غيره محفوظ بحفظه تعالى ومحمول ومحاط له.
وهذا يؤل إلى علمه الفعلي بالأشياء، ونعني به أن كل شئ حاضر عنده تعالى غير محجوب عنه، ولذلك قال عليه السلام أولا: " فالكرسي محيط بالسماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى " فأشار إلى الإحاطة ثم عقبه بقوله: " وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى " فأشار إلى العلم فأنتج ذلك أن الكرسي ويعني به العرش مقام الإحاطة والتدبير والحفظ، وأنه مقام العلم والحضور بعينه، ثم طبقه على قوله تعالى: " وسع كرسيه السماوات والأرض " الآية.
وقوله عليه السلام: " وليس يخرج عن هذه الأربعة شئ خلق الله في ملكوته " كإنه إشارة إلى الألوان الأربعة المذكورة في أول كلامه عليه السلام وسيجئ كلام فيها في أحاديث المعراج إن شاء الله.
(١٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 ... » »»
الفهرست