الوقت على ضيقه، ولا يسمح بإباحته العمر على قصره.
قوله تعالى: (ثم أنتم تمترون) من المرية بمعنى الشك والريب، وقد وقع في الآية التفات من الغيبة إلى الحضور، وكأن الوجه فيه أن الآية الأولى تذكر خلقا وتدبيرا عاما ينتج من ذلك أن الكفار ما كان ينبغي لهم أن يعدلوا بالله سبحانه غيره، وكان يكفي في ذلك ذكرهم بنحو الغيبة لكن الآية الثانية تذكر الخلق والتدبير الواقعين في الانسان خاصة فكان من الحري الذي يهيج المتكلم المتعجب اللائم أن يواجههم بالخطاب ويلومهم بالتجبيه كأنه يقول: هذا خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور عذرناكم في الغفلة عن حكمه لكون ذلك أمرا عاما ربما أمكن الذهول عما يقتضيه فما عذركم أنتم في امترائكم فيه وهو الذي خلقكم وقضى فيكم أجلا وأجل مسمى عنده؟.
قوله تعالى: (وهو الله في السماوات وفي الأرض) الآيتان السابقتان تذكران الخلق والتدبير في العوالم عامة وفي الانسان خاصة، ويكفى ذلك في التنبه على أن الله سبحانه هو الاله الواحد الذي لا شريك له في خلقه وتدبيره.
لكنهم مع ذلك أثبتوا آلهة أخرى وشفعاء مختلفه لوجوه التدبير المختلفة كإله الحياة وإله الرزق وإله البر وإله البحر وغير ذلك، وكذا للأنواع والأقوام والأمم المتشتتة كإله السماء وإله هذه الطائفة وإله تلك الطائفة فنفى ذلك بقوله: (وهو الله في السماوات وفى الأرض).
فالآية نظيرة، قوله: (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم) (الزخرف: 84) مفادها انبساط حكم ألوهيته تعالى في السماوات وفي الأرض من غير تفاوت أو تحديد، وهى إيضاح لما تقدم وتمهيد لما يتلوها من الكلام.
قوله تعالى: (يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون) السر والجهر متقابلان وهما وصفان للأعمال، فسرهم ما عملوه سرا وجهرهم ما عملوه جهرا من غير ستر.
وأما ما يكسبون فهو الحال النفساني الذي يكسبه الانسان بعمله السري والجهري من حسنة أو سيئه فالسر والجهر المذكوران - كما عرفت - وصفان صوريان لمتون الأعمال الخارجية، وما يكسبونه حال روحي معنوى قائم بالنفوس فهما مختلفان بالصورية