دون الباقين، وأما قوله: (وزكريا) الخ، وقوله: (وإسماعيل) الخ، فمعطوفان على قوله: ومن (ذريته) لا على قوله: (داود) الخ، وهو بعيد من السياق.
وأما قوله: (وكذلك نجزى المحسنين) فالظاهر أن المراد بهذا الجزاء هو الهداية الإلهية المذكورة، وإليها الإشارة بقوله (كذلك) والاتيان بلفظ الإشارة البعيدة لتفخيم أمر هذه الهداية فهو نظير قوله: (كذلك يضرب الله الأمثال) (الرعد: 17) والمعنى نجزى المحسنين على هذا المثال.
قوله تعالى: (وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين) تقدم الكلام في معنى الاحسان والصلاح فيما سلف من المباحث وفي ذكر عيسى بين المذكورين من ذرية نوح عليهما السلام وهو إنما يتصل به من جهة أمة ه مريم دلالة واضحة على أن القرآن الكريم يعتبر أولاد البنات وذريتهن أولادا وذرية حقيقة، وقد تقدم استفادة نظير ذلك من آية الإرث وآية محرمات النكاح، وللكلام تتمة ستوافيك في البحث الروائي الآتي إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: (وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين) الظاهر أن المراد بإسماعيل هو ابن إبراهيم أخو إسحاق عليهم السلام وقوله: (اليسع) بفتحتين كأسد وقرئ (الليسع) كالضيغم أحد أنبياء بني إسرائيل ذكر الله اسمه مع إسماعيل عليهما السلام كما في قوله: (واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار) (ص: 48) ولم يذكر شيئا من قصته في كلامه.
وأما قوله: (وكلا فضلنا على العالمين) فالعالم هو الجماعة من الناس كعالم العرب وعالم العجم وعالم الروم، ومعنى تفضيلهم على العالمين تقديمهم بحسب المنزلة على عالمي زمانهم لما أن الهداية الخاصة الإلهية أخذتهم بلا واسطة، وأما غيرهم فإنما تشملهم رحمة الهداية بواسطتهم، ويمكن أن يكون المراد تفضيلهم بما أنهم طائفة مهدية بالهداية الفطرية الإلهية من غير واسطة على جميع العالمين من الناس سواء عاصروهم أو لم يعاصروهم فإن الهداية الإلهية من غير واسطة نعمة يتقدم بها من تلبس بها على من لم يتلبس، وقد شملت المذكورين من الأنبياء ومن لحق بهم من آبائهم وذرياتهم وإخوانهم فالمجتمع الحاصل منهم مفضل على غيرهم جميعا بتفضيل إلهي.