معناه ببعض فلا ينفصل الجهة المرادة عن غيرها ويوجب ذلك تحير المخاطب أو السامع في تشخيص المراد وقد جرى دأب أهل اللسان في ظرف التفاهم أن لا يتبعوا ما هذا شأنه من الألفاظ بل يستريحون إلى لفظ آخر مبين يبين هذا المجمل فيصير بذلك مبينا فيتبع فهذا حال المجمل مع مبينه، فلو كان المحكم والمتشابه هما المجمل والمبين بعينهما كان المتبع هو المتشابه إذا رد إلى المحكم دون نفس المحكم وكان هذا الاتباع مما لا يجوزه قريحة التكلم والتفاهم فلم يقدم على مثله أهل اللسان سواء في ذلك أهل الزيغ منهم والراسخون في العلم ولم يكن اتباع المتشابه أمرا يلحقه الذم ويوجب زيغ القلب رابعها أن المتشابهات هي الآيات المنسوخة لأنها يؤمن بها ولا يعمل بها والمحكمات هي الآيات الناسخة لأنها يؤمن بها ويعمل بها ونسب إلى ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة ولذلك كان ابن عباس يحسب أنه يعلم تأويل القرآن.
وفيه أنه على تقدير صحته لا دليل فيه على انحصار المتشابهات في الآيات المنسوخة فإن الذي ذكره تعالى من خواص اتباع المتشابه من ابتغاء الفتنة وابتغاء التأويل جار في كثير من الآيات غير المنسوخة كآيات الصفات والافعال على أن لازم هذا القول وجود الواسطة بين المحكم والمتشابه.
وفيما نقل عن ابن عباس ما يدل على أن مذهبه في المحكم والمتشابه أعم مما ينطبق على الناسخ والمنسوخ وأنه إنما ذكرهما من باب المثال ففي الدر المنثور أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس قال: المحكمات ناسخه وحلاله وحرامه وحدوده وفرائضه وما يؤمن به والمتشابهات منسوخه ومقدمه ومؤخره وأمثاله وأقسامه وما يؤمن به ولا يعمل به انتهى.
خامسها أن المحكمات ما كان دليله واضحا لائحا كدلائل الوحدانية والقدرة والحكمة والمتشابهات ما يحتاج في معرفته إلى تأمل وتدبر.
وفيه أنه إن كان المراد من كون الدليل واضحا لائحا أو محتاجا إلى التأمل والتدبر كون مضمون الآية ذا دليل عقلي قريب من البداهة أو بديهي وعدم كونه كذلك كان لازمه كون آيات الاحكام والفرائض ونحوها من المتشابه لفقدانها الدليل العقلي اللائح الواضح وحينئذ يكون اتباعها مذموما مع أنها واجبه الاتباع وإن