التفسير الصافي - الفيض الكاشاني - ج ٧ - الصفحة ٥٣٨
كانوا قريبا منهم حيث يرونهم ويراهم أمر أصحابه أن ينزلوا، وسمع أهل واد اليابس بمقدم علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأصحابه، فأخرجوا إليهم منهم مائتا رجل شاكين بالسلاح، فلما رآهم علي (عليه السلام) خرج إليهم في نفر من أصحابه فقالوا لهم: من أنتم؟ ومن أين أنتم؟ ومن أين أقبلتم؟
وأين تريدون؟ قال: أنا علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخوه، ورسوله إليكم، أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، ولكم إن آمنتم ما للمسلمين، وعليكم ما على المسلمين من خير وشر، فقالوا له: إياك أردنا، وأنت طلبتنا؟ قد سمعنا مقالتك فخذ حذرك واستعد للحرب العوان (1)، واعلم إنا قاتلوك، وقاتلوا أصحابك، والموعود فيما بيننا وبينك غدا ضحوة، وقد أعذرنا فيما بيننا وبينك، فقال لهم علي (عليه السلام): ويلكم تهددوني بكثرتكم وجمعكم، فأنا أستعين بالله وملائكته والمسلمين عليكم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فانصرفوا إلى مراكزهم، وانصرف علي (عليه السلام) إلى مركزه، فلما جنه الليل أمر أصحابه أن يحسنوا إلى دوابهم ويقضموا (2) ويسرجوا، فلما انشق عمود الصبح صلى بالناس بغلس (3) ثم أغار عليهم بأصحابه فلم يعلموا حتى وطأهم الخيل، فما أدرك آخر أصحابه حتى قتل مقاتليهم، وسبى ذراريهم، واستباح أموالهم، وخرب ديارهم، وأقبل بالأسارى والأموال معه، فنزل جبرئيل وأخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما فتح الله على علي (عليه السلام) وجماعة المسلمين، فصعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) المنبر فحمد الله وأثنى عليه وأخبر الناس بما فتح الله على المسلمين، وأعلمهم أنه لم يصب منهم إلا رجلين، ونزل، فخرج يستقبل عليا (عليه السلام) في جميع أهل المدينة من المسلمين حتى لقيه على ثلاثة أميال من المدينة، فلما رآه علي (عليه السلام) مقبلا نزل عن دابته، ونزل النبي (صلى الله عليه وآله) حتى التزمه، وقبل ما بين عينيه، فنزل جماعة المسلمين إلى علي (عليه السلام) حيث نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأقبل بالغنيمة والأسارى وما رزقهم الله من أهل وادي اليابس، ثم قال جعفر بن محمد (عليهما السلام):

١ - العوان من الحروب: التي قوتل فيها مرة بعد مرة، كأنهم جعلوا الأولى بكرا. الصحاح: ج ٦، ص 2168، مادة " عون ".
2 - القضم: الأكل بأطراف الأسنان إذا أكل يابسا. يقال: قضمت الدابة شعيرها - من باب تعب -: كسرته بأطراف أسنانها. مجمع البحرين: ج 6، ص 140، مادة " قضم ".
3 - الغلس - بالتحريك -: الظلمة آخر الليل، ومنه التغليس، وهو السير بغلس. مجمع البحرين: ج 4، ص 90، مادة " غلس ".
(٥٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 533 534 535 536 537 538 539 541 542 543 545 ... » »»