الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٣ - الصفحة ٤٣٨
قوله تعالى (لتركبوا منها ومنها تأكلون. ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم) قال فيه: فإن قلت: هلا قيل لتركبوا منها ولتأكلوا منها ولتبلغوا ومنها تركبون ومنها تأكلون وعليها تبلغون؟ وأجاب بأن في الركوب الركوب في الغزو والحج، وفي بلوغ الحاجة الهجرة من بلد إلى بلد لإقامة دين أو علم، وهذه أغراض دينية إما واجبة أو مندوبة مما يتعلق به إرادة الحكيم، وأما الأكل وإصابة المنافع فمن جنس المباح الذي لا يتعلق به الإرادة اه‍ كلامه. قلت: جواب متداع للسقوط مؤسس على قاعدة واهية، وهى أن الأمر راجع إلى الإرادة، فالواجب والمندوب مرادان لأنهما مندرجان في الأمر، والمباح غير مراد لأنه غير مأمور به، وهذا من هينات المعتزلة في إنكار كلام النفس فلا نطيل فيه النفس، وقاعدة أهل الحق أنه لاربط بين الأمر والإرادة، فقد يأمر بخلاف ما يريد ويريد خلاف ما يأمر به. فالجواب الصحيح إذا أن المقصود المهم من الأنعام والمنفعة المشهورة فيها إنما هي الركوب وبلوغ الحوائج عليها بواسطة الأسفار والانتقال في ابتغاء الأوطار فلذلك ذكرهما هنا مقرونين باللام الدالة على التعليل والغرض: وأما الأكل وبقية المنافع كالأصواف والأوبار والألبان وما يجرى مجراها فهي وإن كانت حاصلة منها فغير خاصة بها خصوص الركوب والحمل وتوابع ذلك، بل الأكل بالغنم خصوصا الضأن أشهر، فلذلك اختيرت الضحايا منها على الغنم، فلذلك جردت هذه المنافع بالإخبار عن وجودها فيها غير مقرونة بما يدل على أنها المقصود.
(٤٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 432 433 434 435 437 438 440 441 442 443 444 ... » »»