الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٣ - الصفحة ٤٢٤
بعض الذي يعدكم. قال: وإنما ذكر بعض مع تقدير أنه نبي صادق، والنبي صادق في جميع ما يعد به لأنه سلك معهم طريق المناصحة لهم والمداراة، فجاء بما هو أقرب إلى تسليمهم وأدخل في تصديقهم له ليسمعوا منه ولا يردوا عليه صحته، وذلك أنه حين فرضه صادقا فقد أثبت أنه صادق في جميع ما يعد ولكنه أردفه - يصبكم بعض الذي يعدكم - ليهضمه بعض حقه في ظاهر الكلام فيريهم أنه ليس بكلام من أعطاه حقه وأثنى عليه فضلا عن أن يكون متعصبا له. قال: وتقديم الكاذب على الصادق من هذا القبيل اه‍ كلامه. قلت: لقد أحسن الفهم والتفطن لأسرار هذا القول، ويناسب تقديم الكاذب على الصادق هنا قوله تعالى - وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين - فقدم الشاهد أمارة صدقها على أمارة صدق يوسف، وإن كان الصادق هو يوسف دونها لرفع التهمة وإبعاد الظن وإدلالا بأن الحق معه ولا يضره التأخير لهذه الفائدة. وقريب من هذا التصرف لإبعاد التهمة ما في قصة يوسف مع أخيه، إذ بدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه حتى قيل إنه لما انتهى إليه قال: اللهم ما سرق هذا ولا هو بوجه سارق، فاطمأنت أنفسهم وانزاحت التهمة عن يوسف أن يكون قصد ذلك فقالوا: والله لنفتشنه فاستخرجها من وعائه. قال: وقد قيل إن ما لقيه أبو بكر رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم أشد مما لقيه مؤمن آل فرعون، ولقد طاف عليه الصلاة والسلام بالبيت فلقوه فأخذوا بمجامع ردائه وقالوا: أنت الذي تنهانا عما كان يعبد آباؤنا؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أنا ذلك، فجاء أبو بكر فالتزمه وقال - أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم - رافعا صوته وعيناه تسفحان حتى أرسلوه. وعن جعفر قال: إن مؤمن آل فرعون قال ذلك سرا وقاله أبو بكر جهرا. قال: وقال مؤمن آل فرعون - فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا - ليعلمهم أنه يساهمهم فيه فيتحققوا نصحه لهم.
(٤٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 419 420 421 422 423 424 426 427 429 430 431 ... » »»