الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٣ - الصفحة ٤٣٥
قوله تعالى (قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربى) قال فيه: فإن قلت:
النبي عليه الصلاة والسلام قد اتضحت له أدلة العقل على التوحيد قبل مجئ الوحي فعلام تحمل الآية؟ وأجاب بأن الأمر كذلك ولكن البينات مقوية لأدلة العقل ومؤكدة لها ومتضمنة ذكرها نحو قوله - أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون - وأشباه ذلك من التنبيه على أدلة العقل والسمع جميعا، وإنما ذكر ما يدل على الأمرين جميعا لأن ذكر الأمرين أقوى في إبطال مذهبهم وإن كانت أدلة العقل وحدها كافية انتهى كلامه. قلت: اللائق بقوله بقواعد السنة أن يقال: أما معرفة الله تعالى ومعرفة وحدانيته واستحالة كون الأصنام آلهة فمستفاد من أدلة العقول، وقد ترد الأدلة العقلية في مضامين السمعيات. وأما وجوب عبادة الله تعالى وتحريم عبادة الأصنام فحكم شرعي لا يستفاد إلا من السمع، فعلى هذا يترك الجواب عن هذا السؤال، وقوله تعالى - إني نهيت أن أعبد الذين تدعون - من دون الله - إنما أريد به والله أعلم تحريم عبادة غير الله، فهذا لا يستفاد إلا من نهى الله تعالى عن ذلك لامن العقل، لكن قاعدة الزمخشري تقتضى أن تحريم عبادة غير الله تعالى تتلقى من العقل قبل ورود الشرع، إذ العقل عنده حاكم بمقتضى التحسين والتقبيح، ولهذا أورد الإشكال عليه واحتاج إلى الجواب عنه، ثم قوله في الجواب: إن أدلة الشرع مقوية لأدلة العقل ضعيف العقل ضعيف مع اعتقاده أن العقل يدل على الحكم قطعا، وما دل قطعا كيف يحتمل الزيادة والتأكيد والقطعيات لا تفاوت في ثبوتها.
(٤٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 430 431 432 433 434 435 437 438 440 441 442 ... » »»