الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٣ - الصفحة ٤٣٣
قوله تعالى (لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس) قال فيه: فإن قلت: كيف اتصل قوله لخلق السماوات والأرض بما قبله؟ وأجاب بأن مجادلتهم في آيات الله كانت مشتملة على إنكار البعث وهو أصل المجادلة ومدارها فحجوا بخلق السماوات والأرض لأنهم كانوا مقرين بأن الله خالقها وبأنها خلق عظيم، فخلق الناس بالقياس إليه شئ قليل مهين، فمن قدر على خلقها مع عظمها كان على الإنسان الضعيف أقدر، وهو أبلغ من الاستشهاد بخلق مثله انتهى كلامه. قلت: الأولوية في هذا الاستشهاد ثابتة بدرجتين أحدهما ما ذكره من أن القادر على العظيم هو على الحقير أقدر. الثانية أن مجادلتهم كانت في البعث وهو الإعادة، ولا شك أن الابتداء أعظم وأبهر من الإعادة، فإذا كان ابتداء خلق العظيم يعنى السماوات والأرض داخلا تحت القدرة، فابتداء خلق الحقير يعنى الناس أدخل تحتها وإعادته أدخل من ابتدائه، فهو أولى بأن يكون مقدورا عليه مما اعترفوا به من خلق السماوات والأرض بدرجتين، وإلى هذا الترتيب وقعت الإشارة بقوله تعالى في - آلم غلبت الروم - ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون - فقرر أن قيام السماء والأرض هو بأمره: أي خلقها من آياته، فكيف بما هو أحط من قيامها بدرجتين وهو إعادة البشر أهون عليه من الابتداء ليتحقق الدرجتان المذكورتان فقال تعالى - وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه - وإذا تأملت الذي ذكرته منسوبا لما ذكره الزمخشري علمت أن ما ذكره هو لباب المراد فجدد عهدا به إن لم تعلم ذلك
(٤٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 427 429 430 431 432 433 434 435 437 438 440 ... » »»