الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٢ - الصفحة ٧٢
قوله تعالى (فوسوس لهما الشيطان ليبدى لهما ما وورى عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين. وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين) الآية، قال (فيه دليل على أن كشف العورة من عظائم الأمور الخ) قال أحمد: وفي هذه الكلمات أيضا جنوح إلى قاعدة الاعتزال في أمرين:
أحدهما قوله أن كشف العورة لم يزل مستقبحا في العقول فإنه ينشأ عن اعتقاده أن التقبيح والتحسين بالعقل وإن جاز أن يصدر هذا الكلام من المعتقد لعقيدة السنة إلا أنه لا يريد به ظاهره، إذا التحسين والتقبيح إنما يدركان بالشرع والسمع لا بالعقل، ومعنى هذا الاطلاق لو صدر من سني أن العقل يدرك المعنى الذي لأجله حسن الشرع الستر وقبح الكشف. الأمر الثاني استدلاله على تفضيل الملائكة على الأنبياء، وقد مضى أن ذلك معتقد المعتزلة وإن كان بعض أهل السنة قد مال إليه. والجواب ممن يعتقد تفضيل الأنبياء أنه لا يلزم من اعتقاد إبليس لذلك ووسوسته بأن الملائكة أفضل أن يكون الامر كذلك في علم الله تعالى، ألا ترى إبليس لعنه الله قد أخبر أن الله تعالى منعهما من الشجرة حتى يخلدا أو لا يكونا ملكين وهو في ذلك كاذب مبطل، فلا دليل فيه إذ إبليس في الآية ما يوجب تقرير الله تعالى لإبليس على ذلك ولا تصديقه فيه، بل ختمت الآية بما يدل على أنه كذب لهما وغرهما إذا قال الله تعالى عنه - فدلاهما بغرور - فلعل تفضيله الملائكة على النبوة من جملة غروره، والله أعلم. عاد كلامه، قال (فإن قلت: المقاسمة أن تقسم لصاحبك ويقسم لك الخ) قال أحمد: ويكون في الكلام حينئذ لف لأن آدم وحواء عليهما السلام لا يقسمان له بلفظ المتكلم ولكن بالخطاب، فجعل القسم من الجانبين كلاما واحدا مضافا لإبليس
(٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 ... » »»