تحريفه الإغواء إلى التكليف لأنه يعتقد أن اله تعالى لم يغوه: أي لم يخلق له الغي بناء على قاعدة التحسين والتقبيح والصلاح والأصلح، فيضطره اعتقاده إلى حمل الإغواء على تكليفه بالسجود لأنه كان سببا في غيه، وكثيرا ما يؤول أفعال الله تعالى إذا أسندها إلى ذاته حقيقة إلى التسبب ويجعل ذلك من مجاز السببية لأن الفعل له ملابسات بالفاعل والمفعول والزمان والمكان والسبب، فإسناده إلى الفاعل حقيقة، وإسناده إلى بقيتها مجاز، ويجعل الفعل مسندا إلى الله تعالى لأنه مسببه لا أنه فاعله، وقد استدل على ذلك فيما سلف بقول مالك بن دينار لرجل رآه مقيدا محبوسا في مال عليه: هذه وضعت القيود في رجليك، وأشار إلى سلة فيها أخبصة وألوان مختلفة رآها عند المسجون:
أي اعتناؤك بهذه الأطعمة كان سببا في تبذير المال الذي آل بك إلى وضع القيود في رجليك، فعلى هذا يروم حمل هذه الآية: يعني بما كلفتني من التكليف الذي كان سببا في خلقي الغي النفسي لأقعدن فيجعل إبليس هو الفاعل في الحقيقة، وأما إسناد الفعل إلى الله تعالى فمجاز هذه إحدى النزغتين. والأخرى جعله التكليف من جملة الأفعال، لأنه يزعم أن كلام الله تعالى محدث من جملة أفعاله لا صفة من صفاته والتكليف من الكلام. فهاتان زلتان جمع القدرية بينهما وإبليس لعنه الله لم يرض واحدة منهما لأنه نسب الإغواء إلى الله تعالى، إذ هو خالق كل شئ فما الظن بطائفة ترضى لنفسها من خفي الشرك ما لم يسبق به إبليس نعوذ بالله من التعرض لسخط الله. عاد كلامه، قال (ومن تكاذيب المجبرة ما حكوه عن طاوس أنه كان في المسجد الحرام، فجاء رجل من كبار الفقهاء يرمى بالقدر فجلس إليه، فقال له طاوس: تقوم أو تقام؟ فقام الرجل، فقيل له، أتقول هذا لرجل فقيه؟ فقال:
إبليس أفقه منه - قال رب بما أغويتني؟ - وهذا يقول أنا أغوي نفسي انتهى كلام طاوس على زعمهم. وما ظنك بقوم بلغ من تهالكهم على إضافة القبائح إلى الله سبحانه وتعالى أن لفقوا الأكاذيب على الرسول والصحابة والتابعين) انتهى كلامه. قال أحمد: وإنما أوردت مثل هذا من كلامه وإن كان غير محتاج إلى التنبيه على فساده وحيده عن العقائد الصحيحة لتبتلج الحجة في وجوب الرد عليه وتعينه على من هداه الله إليه، ولقد صدق