الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ١ - الصفحة ٦٢٨
بصورة حسية تلزمها غالبا، ولا شئ أثبت من الصور الحسية في الذهن، فلما كان الجود والبخل معنويين لا يدركان بالحس ويلازمهما صورتان تدركان بالحس وهو بسط اليد للجود وقبضها للبخل عبر عنهما بلازمهما لفائدة الايضاح والانتقال من المعنويات إلى المحسوسات والله أعلم. عاد كلامه: قال (فإن قلت: قد صح أن قولهم:
يد الله مغلولة عبارة عن البخل الخ). قال أحمد: لقد نقص فضيلته التي أوردها في هذا الفصل بما ضمنه هذا السؤال. والجواب من القاعدة الفاسدة في أن الله تعالى يستحيل عليه أن يريد من عباده شيئا مما نعاه عليهم، وبنى على ذلك استحالة أن يدعو عليهم بالبخل لأنه لم يرده منهم، ويستحيل أن يريده منهم، فوجه هذا النص بالتأويل والتمسك بالأباطيل، والحق أن الله يدعو عليهم بالبخل، وعاؤه عبارة عن خلقه الشح في قلوبهم والقبض في أيديهم، فهو الداعي والخالق لا خالق إلا هو يخلق لهم البخل ويتقدس عنه لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون، فليت الزمخشري لم يتحدث في تفسير القرآن إلا من حيث علم البيان، فإنه فيه أفرس الفرسان لا يجارى في ميدانه ولا يمارى في بيانه. عاد كلامه، قال (فإن قلت: لم ثنيت اليد في يداه مبسوطتان وهي مفردة في يد الله الخ) قال أحمد: ولما كان المعهود في العطاء أن يكون بإحدى اليدين وهي اليمين، وكان الغالب على اليهود لعنت اعتقاد الجسمية جاءت عبارتهم عن اليد الواحدة المألوف منها العطاء، فبين الله تعالى كذبهم في الامرين في نسبة البخل وفي إضافته إلى الواحدة تنزيلا منهم على اعتقاد الجسمية بأن نسب إلى ذاته صفة الكرم المعبر عنها بالبسط، وبأن أضافه إلى اليدين جميعا لان كلتا يديه يمين كما ورد في الحديث تنبيها على نفي الجسمية، إذ لو كانت ثابتة جل الله عنها لكانت إحدى اليدين يمينا والاخرى شمالا ضرورة، فلما أثبت أن كلتيهما يمين نفي الجسمية وأضاف الكرم إليهما لا كما يضاف في الشاهد إلى اليد اليمنى خاصة، إذ الأخرى شمال وليست محلا للتكرم، والله أعلم.
(٦٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 622 623 625 626 627 628 629 630 631 632 633 ... » »»