الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ١ - الصفحة ٣٥٤
قوله تعالى (زين للذين كفروا الحياة الدنيا) قال محمود رحمه الله (المزين هو الشيطان الخ) قال أحمد رحمه الله: وردت إضافة التزيين إلى الله تعالى وإضافته إلى غيره في مواضع من الكتاب العزيز، وهذه الآية تحتمل الوجهين، لكن الإضافة إلى قدرة الله تعالى حقيقة والإضافة إلى غيره مجاز على قواعد السنة، والزمخشري يعمل على عكس هذا، فان أضاف الله فعلا من أفعاله إلى قدرته جعله مجازا، وإن أضافه إلى بعض مخلوقاته جعله حقيقة، وسبب هذا التعكيس اتباع الهوى في القواعد الفاسدة.
قوله تعالى (ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا) الآية. قال محمود رحمه الله (لأنهم في عليين من السماء وهم في سجين الخ) قال أحمد رحمه الله: وهذا من وضع الظاهر موضع المضمر بصفة أخرى ومثله في كتاب الله كثير، قال الله تعالى - إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا إن الظالمين في عذاب مقيم - وكان الأصل ألا إنهم الآية، فوضع الظاهر موضع المضمر بصفة أخرى وضمنه ذكر صفة الظلم بتلو صفة الخسران. وفى كلام الزمخشري طماح إلى قاعدته في وجوب وعيد العصاة، ألا تراه يقول: ليريك أنه لا يسعد عنده إلا المؤمن المتقى إشارة إلى أن غير المتقى وهو المصر على الكبائر شقى حتما كهؤلاء الذين يسخرون من الذين آمنوا، ومنهم من يتمحل فيقول: لأنه جعل المؤمن عين المتقى، ومقتضى قاعدته الفاسدة أن الإيمان يستلزم التقوى حتى لا يفرض مؤمن إلا متقيا، إذ الايمان فيما فسره هو في تفسيره. هذا وفيما فسره أهل بدعته في كتبهم هو تصديق الاعتقاد الصحيح والنطق به بالعمل الصالح. والمخل عندهم بالعمل إما بالإصرار على كبيرة أو بترك مهم من الواجبات فاسق ليس بمؤمن ولا كافر، فمقتضى هذا التقرير على ما ترى أن كل مؤمن متق، وقد علمت من كلامه على هذه الآية ما يأبى ذلك وينقضه.
(٣٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 347 348 349 350 351 354 358 363 364 365 372 ... » »»