الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ١ - الصفحة ٣٥٠
مثلا فتقول: أيهما أشد ضربا فتوقعه على المضروب، وعلى الوجه الأول يكون التفضيل على الفاعل وهو القياس، وعلى الثاني يكون التفضيل على المفعول وهو خلاف القياس. وقد ذكر الزمخشري في مفصله أنه شاذ بقولهم:
أتسبل مرآة لتحسين وأنا أسر منك هذا في أمثلة عددها، فليت شعري كيف حمل الآية عليه وقد وجد غير ذلك سبيلا، وفى الوجهين جميعا يفر من عطف أشد على الذكر الأول لئلا يكون واقعا على الذكر، وقد انتصب الذكر تمييزا عنه فيكون الذكر ذكرا وهو محال، لكن أبا الفتح صحح هذا الوجه وألحقه بباب قولهم شعر شاعر وجن جنونه ونحوه مما بالغت العرب فيه حتى جعلت الصفة صفة مثلها تمكينا لثبوتها، ووضح ذلك أن انتصاب الذكر تمييزا يوجب أن لا يقع أشد عليه ويعين خروجه منه إما أن يقع على الجثة الذاكرة بتأويل جعله ذاكرا على ما صار إليه أبو الفتح إنك لو قلت: زيد أكرم أبا، لكان زيد من الأبناء، ولو قلت: زيد أكرم أب، لكان من الأباء ويحتمل عطفة على الذكر: أعني وجها آخر سوى ما ذهب إليه أبو الفتح وهو أن يكون من باب ما ذكره سيبويه قال: ويقولون هو أشح الناس رجلا وهما خير الناس رجلا وهما خير الناس اثنين فالمجرور هنا بمنزلة التنوين، وانتصب الرجل والاثنين كما انتصب الوجه في قولك هو أحسن منه وجها، ولا يكون إلا نكرة كما لا تكون الحال إلا نكرة، والرجل هو الاسم المبتدأ، فإنما أراد بذلك أن هذا ليس بمثابة هو أشجع الناس غلاما، فإن هذا يجوز أن يكون غلاما هو الاسم المبتدأ كما في المثال الأول، ويجوز أن يكون غيره، فالآية على هذا الوجه الذي أوضحته منزلة على المثال الأول، فيكون ذكرا المنصوب واقعا على أشد كما كان الرجل المنصوب واقعا على أشح، فكأنه قال: أو أشد الأذكار ذكرا، فهذه وجوه أربعة كلها مطروقة إلا هذا الوجه الذي زدته، فان خاطري أبو عذرته كخشية الله أو أشد خشية ولم أقف على كلام الزمخشري فيها بعد.
(٣٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 341 346 347 348 349 350 351 354 358 363 364 ... » »»