يكابد منهم ما يكابد، والمعنى: أيظن هذا المتعزز القوي في قومه (أن لن يقدر) على الانتقام منه وعلى مكافأته أحد؟ (يقول أهلكت مالا لبدا) كثيرا، يريد: كثرة ما أنفقه فيما كانوا يسمونها مكارم الأخلاق. (أيحسب أن لم يره أحد) حين كان ينفق ما ينفق رياء الناس؟ يعني: أن الله كان يراه، وقيل: هو أبو الأشد، رجل من جمح وكان قويا، بحيث يقف على أديم عكاظي فيجره العشرة من تحته فيقطع ولا يبرح من مكانه (1).
(ألم نجعل له عينين) يبصر بهما المرئيات. (ولسانا) يترجم به عما في ضميره (وشفتين) يطبق بهما على فيه، ويستعين بهما على النطق والأكل والشرب وغير ذلك. (وهدينه النجدين) أي: طريقي الخير والشر، وقيل:
الثديين (2). (فلا اقتحم العقبة) أي: فلم يشكر تلك الأيادي والنعم بالأعمال الصالحة من: فك الرقاب، وإطعام اليتامى والمساكين، مع الإيمان الذي هو أصل كل طاعة، وأساس كل خير، بل غمط النعم وكفر بالمنعم؟ والمعنى: أن الإنفاق على هذا الوجه هو الإنفاق النافع المرضي عند الله، لا أن يهلك مالا لبدا في الرياء والفخار. وقوله: (ثم كان من الذين ءامنوا) يدل على أن المعنى: فلا اقتحم العقبة ولا أمن، والاقتحام: الدخول بشدة ومشقة، والقحمة: الشدة، وجعل سبحانه الأعمال الصالحة عقبة، وعملها اقتحاما لها لما في ذلك من معاناة الشدة ومجاهدة النفس، وعن الحسن: عقبة والله شديدة: مجاهدة الإنسان نفسه وهواه وعدوه الشيطان (3). وفك الرقبة: تخليصها من رق أو غيره. وقرئ: " فك رقبة