بدليل قوله: (قد أفلح من زكها وقد خاب من دسها) فجعله فاعل التزكية والتدسية ومتوليهما. والتزكية: الإنماء والإعلاء بالتقوى، والتدسية: النقص والإخفاء بالفجور، وأصل دسى: دسس، كما قيل: تقضى في " تقضض ".
ونكر قوله: (ونفس) لأنه أراد نفسا خاصة من بين النفوس، وهي نفس آدم، كأنه قال: وواحدة من النفوس، أو: لأنه أراد كل نفس، فيكون من عكس كلامهم الذي يقصدون به الإفراط فيما يعكس عنه، كقول الشاعر:
قد أترك القرن مصفرا أنامله (١) فجاء بلفظ التقليل الذي يفهم منه معنى الكثرة، ومنه قوله تعالى: ﴿ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين﴾ (٢)، ومعناه معنى " كم " أو أبلغ منه.
وجواب القسم محذوف، وتقديره: ليدمدمن الله عليهم، أي: على أهل مكة لتكذيبهم برسول الله كما دمدم على ثمود لتكذيبهم صالحا. وأما قوله: (قد أفلح من زكها) فكلام تابع لقوله: (فألهمها فجورها وتقولها) على سبيل الاستطراد وليس من جواب القسم في شىء.
والباء في (بطغواها) مثلها في: كتبت بالقلم، والطغوى من: الطغيان، فصلوا بين الاسم والصفة في: " فعلى " من ثبات الياء بأن قلبوا الياء واوا في الاسم وتركوا القلب في الصفة فقالوا: امرأة خزياء وصدياء، والمعنى: فعلت ثمود التكذيب بطغيانها، كما تقول: ظلمني بجرأته على الله، وقيل: (كذبت) بما أوعدت به من العذاب ذي الطغوى (٣) كقوله: ﴿فأهلكوا بالطاغية﴾ (4). (إذ انبعث) ظرف