تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٣ - الصفحة ٢١٧
" لان " معنى فعل متعد ب‍ " إلى "، فكأنه قال: سكنت أو اطمأنت إلى ذكر الله، لينة غير متقبضة، راجية غير خائفة، واقتصر على ذكر الله من غير ذكر الرحمة، لأن رحمته سبقت غضبه، فأصل أمره الرحمة والرأفة، فكأنه قال: إذا ذكروا الله - ومبنى أمره على الرحمة والرأفة - استبدلوا بالخشية رجاء في قلوبهم وبالقشعريرة لينا في جلودهم (ذلك) إشارة إلى الكتاب وهو (هدى الله) يوفق (من يشآء) من عباده المتقين حتى يخشوا تلك الخشية ويرجوا ذلك الرجاء، أو: ذلك الكائن من الخشية والرجاء هدى الله أي: أثر هداه وهو لطفه، فسماه: " هدى " لأنه حاصل بالهدى، يهدي بهذا الأثر من يشاء من عباده، يعني: من صحب أولئك ورآهم خائفين وراجين اقتدى بسيرتهم (ومن يضلل الله) أي: من لم يؤثر فيه لطف الله لقسوة قلبه (فما له من هاد) أي: مؤثر فيه.
(أفمن يتق بوجهه سوء العذاب) كمن أمن العذاب، فحذف الخبر، يقال:
اتقاه بترسه: استقبله فوقى بها نفسه إياه. والمعنى: أن الإنسان إذا لقي مخوفا استقبله بيده وطلب أن يقي بها وجهه لأنه أعز أعضائه عليه، والذي يلقى في النار مغلولا يداه إلى عنقه لا يتهيأ له أن يتقي النار إلا بوجهه الذي كان يتقي المخاوف بغيره وقاية له، وقيل: المراد بالوجه الجملة (1) (من حيث لا يشعرون) من الجهة التي لا يحتسبون، ولا يخطر ببالهم أن الشر يأتيهم منها.
(فأذاقهم الله الخزي في الحيواة الدنيا ولعذاب الأخرة أكبر لو كانوا يعلمون (26) ولقد ضربنا للناس في هذا القرءان من كل مثل لعلهم يتذكرون (27) قرءانا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون (28) ضرب الله مثلا رجلا فيه شركآء متشكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا

(1) حكاه الزمخشري: في الكشاف: ج 4 ص 125.
(٢١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 ... » »»