تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٣ - الصفحة ٢١٢
قرئ: (أمن هو قنت) بالتخفيف والهمزة للاستفهام (1)، وبالتشديد على إدخال " أم " على " من " والتقدير: أمن هو قانت كغيره، ف (من) مبتدأ محذوف الخبر لدلالة الكلام عليه، وهو جري ذكر الكافر قبله، وقوله بعده: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)، وقيل: معناه: أهذا أفضل أم من هو قانت؟ أو:
أمن هو قانت أفضل أم من هو كافر (2)؟ (آناء الليل) ساعاته (ساجدا وقآئما) يسجد تارة للصلاة ويقوم أخرى، يريد صلاة الليل والقنوت في الوتر وهو دعاء المصلي قائما، وفي الحديث: " أفضل الصلاة طول القنوت " (3). وأراد بالذين يعلمون: العاملين من علماء الدين، كأنه جعل من لا يعمل بعلمه غير عالم، أو يريد: لا يستوي القانتون وغيرهم كما لا يستوي العالمون والجاهلون.
وعن الصادق (عليه السلام): " نحن (الذين يعلمون)، وعدونا (الذين لا يعلمون) وشيعتنا (أولوا الألبب) (4) ".
قوله: (في هذه الدنيا) يتعلق ب‍ (أحسنوا) لا ب‍ (حسنة)، والمعنى: الذين أحسنوا في هذه الدنيا فلهم حسنة في الآخرة، وهي دخول الجنة، أي: حسنة لا يحاط بكنهها، وقيل: يتعلق ب‍ (حسنة) أي: لهم على ذلك حسنة في هذه الدنيا وهي الثناء الحسن والمدح والصحة والعافية والرزق الواسع (5) (وأرض الله وسعة) معناه: لا عذر للمفرطين في الإحسان حتى إن اعتلوا بأنهم لا يتمكنون منه في أوطانهم قيل لهم: فأرض الله واسعة، وبلاده كثيرة، فتحولوا إلى بلاد أخر،

(١) قرأه ابن كثير ونافع وحمزة. راجع كتاب السبعة في القراءات: ص ٥٦١.
(٢) حكاه الزجاج في معانيه: ج ٤ ص ٣٤٧.
(٣) أخرجه مسلم في صحيحه: ج ١ ص ٥٢٠ ح ٧٥٦.
(٤) رواه في الكافي: ج ٨ ص ٧٣٥ ضمن ح 6 باسناده عن أبي بصير.
(5) قاله السدي ومقاتل. راجع تفسير الطبري: ج 10 ص 622.
(٢١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 ... » »»