تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٣ - الصفحة ٢١٦
(أفمن) عرف الله أنه من أهل اللطف فلطف به حتى انشرح صدره للإسلام وقبله كمن لا لطف به، فهو حرج الصدر قاسي القلب، ونور الله لطفه، وهو نظير (أمن هو قنت) في حذف الخبر في ذكر الله، أي: من أجل ذكر الله، أي: إذا ذكر الله وآياته عندهم اشمأزوا وازدادت قلوبهم قسوة.
(كتبا) بدل من (أحسن الحديث) أو حال منه، (متشبها) هو مطلق في مشابهة بعضه بعضا، فيتناول تشابه معانيه في الصحة والإحكام ومنفعة الأنام، وتشابه ألفاظه في التناسب والتناصف في التخير والإصابة وتجارب النظم والتأليف في الإعجاز (مثاني) جمع مثنى، بمعنى المردد والمكرر لما ثني من قصصه وأحكامه ومواعظه، وقيل: لأنه مثنى في التلاوة فلا يمل (1)، كما جاء في وصفه: " لا يتفه ولا يتشان " (2) " ولا يخلق على كثرة الرد " (3)، وإنما وصف الواحد بالجمع لأن الكتاب جملة ذات تفاصيل، وتفاصيل الشيء هي جملته لا غير. ويجوز أن يكون " المثاني " منصوبا على التمييز من (متشبها) كما تقول:
رأيت رجلا حسنا شمائل، والمعنى: متشابهة مثانية، والفائدة في التكرير والتثنية أن النفوس تنفر عن النصيحة والمواعظ، فما لم يكرر عليها عودا بعد بدء لم يرسخ فيها (تقشعر) أي: تتقبض (منه) جلودهم تقبضا شديدا، يقال: اقشعر جلده من الخوف: وقف شعره، ومعناه: أنهم إذا سمعوا القرآن وآيات الوعيد فيه أصابتهم خشية شديدة، ثم إذا ذكروا الله ورحمته وسعة مغفرته لانت جلودهم، وضمن

(١) قاله ابن عيسى. راجع تفسير الماوردي: ج ٥ ص ١٢٣.
(٢) وهو من حديث ابن مسعود في وصف القرآن. راجع النهاية لابن الأثير: ج 1 ص 192 مادة " تفه " أي: لا يصير حقيرا ولا ييبس فيغدو عديم الفائدة.
(3) وهو من حديث أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصف كتاب الله المروي في النهج: ص 219 خطبة (156) ضبط صبحي الصالح.
(٢١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 ... » »»