تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٣ - الصفحة ١٩٦
ظاهرا، وهو اشتغال نبي الله بأمر الدنيا حتى تفوته الصلاة عن وقتها. وقيل: إنما ذبحها تقربا إلى الله تعالى ليتصدق بلحومها (1)، وقيل: معناه: أنه سأل الله تعالى أن يرد الشمس عليه فردها عليه حتى صلى العصر، والهاء في (ردوها) للشمس (2).
(فتنا سليمن) اختبرناه وشددنا المحنة عليه، واختلف في الجسد الذي ألقي على كرسيه، فقيل: إنه قال ذات يوم: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة، تلد كل امرأة منهن غلاما، يضرب بالسيف في سبيل الله، ولم يقل إن شاء الله، فطاف عليهن فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة وجاءت بشق ولد، فهو الجسد الذي ألقي على كرسيه (3). وروي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال " والذي نفس محمد بيده لو قال: إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا " (4)، (ثم أناب) إلى الله وفزع إلى الصلاة والدعاء على وجه الانقطاع إلى الله سبحانه، وقيل: إنه ولد له ابن فاسترضعه في المزن - وهو السحاب - إشفاقا عليه من كيد الشيطان، فلم يشعر إلا وقد وضع على كرسيه ميتا، تنبيها له على أن الحذر لا ينفع من القدر (5).
قدم الاستغفار على استيهاب الملك جريا على عادة الأنبياء في تقديم أمر الدين على أمور الدنيا (ملكا لا ينبغى) أي: لا يتكون ولا يتسهل، ومعنى (من بعدي): دوني، طلب من ربه سبحانه ملكا زائدا على الممالك، زيادة تبلغ حد الإعجاز، ليكون دليلا على صحة نبوته، فذلك معنى قوله: (لا ينبغى لأحد من

(1) قاله الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 92.
(2) وهو قول البغوي في تفسيره: ج 4 ص 61.
(3) قاله أنس. راجع تفسير الماوردي: ج 5 ص 96.
(4) أخرجه مسلم في صحيحه: ج 3 ص 1275 ح 1654 وما بعده، والنسائي في سننه: ج 7 ص 25 عن أبي هريرة مرفوعا.
(5) قاله الشعبي كما في تفسير الماوردي: ج 5 ص 96.
(١٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 ... » »»