الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٣٩
ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر. تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر.
فكيف كان عذابي ونذر. ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر. كذبت ثمود بالنذر. فقالوا أبشرنا منا واحدا نتبعه إنا إذا لفى ضلال وسعر. أألقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر. سيعلمون غدا من الكذاب الأشر. إنا مرسلوا الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر.
____________________
وإنذاري لهم بالعذاب قبل نزوله أو إنذاري في تعذيبهم لمن بعدهم (في يوم نحس) في يوم شؤم، وقرئ في يوم نحس كقوله في أيام نحسات (مستمر) قد استمر عليهم ودام حتى أهلكم، أو استمر عليهم جميعا كبيرهم وصغيرهم حتى لم يبق منهم نسمة وكان في أربعاء في آخر الشهر لا تدور. ويجوز أن يريد بالمستمر الشديد المرارة والبشاعة (تنزع الناس) تقلعهم عن أماكنهم وكانوا يصطفون آخذين أيديهم بأيدي بعض ويتدخلون في الشعاب ويحفرون الحفر فيندسون فيها فتنزعهم وتكبهم وتدق رقابهم (كأنهم أعجاز نخل منقعر) يعنى أنهم كانوا يتساقطون على الأرض أمواتا وهم جثث طوال عظام كأنهم أعجاز نخل وهى أصولها بلا فروع. منقعر: منقلع عن مغارسه. وقيل شبهوا بأعجاز النخل لأن الريح كانت تقطع رؤوسهم فتبقى إجسادا بلا رؤوس وذكر صفة نخل على اللفظ ولو حملها على المعنى لأنث كما قال - أعجاز نخل خاوية (أبشرا منا واحدا) نصب بفعل مضمر يفسره (نتبعه) وقرئ أبشر منا واحد على الابتداء ونتبعه خبره والأول أوجه للاستفهام. كان يقول: إن لم تتبعوني كنتم في ضلال عن الحق. وسعر ونيران جمع سعير فعكسوا عليه فقالوا: إن أتبعناك كنا إذن كما تقول. وقيل الضلال: الخطأ والبعد عن الصواب، والسعر: الجنون، يقال ناقة مسعورة، قال:
كأن بها سعرا إذا العيس هزها * ذميل وإرخاء من السير متعب فإن قلت: كيف أنكروا أن يتبعوا بشرا منهم واحدا؟ قلت: قالوا أبشرا إنكارا لأن يتبعوا مثلهم في الجنسية وطلبوا أن يكون من جنس أعلى من جنس البشر وهم الملائكة، وقالوا منا لأنه إذا كان منهم كانت المماثلة أقوى، وقالوا واحدا إنكارا لأن تتبع الأمة رجلا واحدا، أو أرادوا واحدا من أفنائهم ليس بأشرفهم وأفضلهم، ويدل عليه قولهم (أألقى الذكر عليه من بيننا) أي أأنزل عليه الوحي من بيننا وفينا من هو أحق منه بالاختيار للنبوة (أشر) بطر متكبر حمله بطره وشطارته وطلبه التعظم علينا على ادعاء ذلك (سيعلمون غدا) عند نزول العذاب بهم أو يوم القيامة (من الكذاب الأشر) أصالح أم من كذبه. وقرئ ستعلمون بالتاء على حكاية ما قال لهم صالح مجيبا لهم، أو هو كلام الله تعالى على سبيل الالتفات. وقرئ الأشر بضم الشين كقولهم حدث وحدث وحذر وحذر وأخوات لها، وقرئ الأشر وهو الأبلغ في الشرارة، والأخير والأشر أصل قولهم هو خير منه وشر منه وهو أصل مرفوض، وقد حكى ابن الأنباري قول العرب هو أخير وأشر وما أخيره وما أشره (مرسلوا الناقة) باعثوها ومخرجوها من الهضبة كما سألوا (فتنة لهم) امتحانا لهم وابتلاء (فارتقبهم) فانتظرهم وتبصر ما هم صانعون (واصطبر) على أذاهم
(٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 ... » »»