الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٣٧
كأنهم جراد منتشر. مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر. كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر. فدعا ربه أنى مغلوب فانتصر ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر. وفجرنا الأرض عيونا. فالتقى الماء على أمر قد قدر.
____________________
من القبور (كأنهم جراد منتشر) الجراد مثل في الكثرة والتموج، يقال في الجيش الكثير المائج بعضه في بعض جاءوا كالجراد والكدبا منتشر في كل مكان لكثرته (مهطعين إلى الداع) مسرعين مادي أعناقهم إليه، وقيل ناظرين إليه لا يقلعون بأبصارهم، قال:
تعبدني نمر بن سعد وقد أرى * ونمر بن سعد لي مطيع ومهطع (قبلهم) قبل أهل مكة (فكذبوا عبدنا) يعنى نوحا. فإن قلت: ما معنى قوله تعالى - فكذبوا - بعد قوله كذبت؟ قلت: معناه كذبوا فكذبوا عبدنا: أي كذبوه تكذيبا على عقب تكذيب كلما مضى منهم قرن مكذب تبعه قرن مكذب أو كذبت قوم نوح الرسل فكذبوا عبدنا: أي لما كانوا مكذبين بالرسل جاحدين للنبوة رأسا كذبوا نوحا لأنه من جملة الرسل (مجنون) هو مجنون (وازدجر) وانتهروه بالشتم والضرب والوعيد بالرجم في قولهم - لتكونن من المرجومين - وقيل هو من جملة قيلهم: أي قالوا هو مجنون وقد ازدجرته الجن وتخبطته وذهبت بلبه وطارت بقلبه. قرئ أنى بمعنى فدعا بأني مغلوب وإني على إرادة القول فدعا فقال إني مغلوب غلبني قومي فلم يسمعوا منى واستحكم اليأس من إجابتهم لي (فانتصر) فانتقم منهم بعذاب تبعثه عليهم، وإنما دعا بذلك بعدما طم عليه الأمر وبلغ السيل الزبى. فقد روى أن الواحد من أمته كان يلقاه فيخنقه حتى يخر مغشيا عليه فيفيق وهو يقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون. وقرئ ففتحنا مخففا ومشددا وكذلك وفجرنا (منهمر) منصب في كثرة وتتابع لم ينقطع أربعين يوما (وفجرنا الأرض عيونا وجعلنا الأرض كلها كأنها عيون تتفجر وهو أبلغ من قولك وفجرنا عيون الأرض ونظيره في النظم - واشتعل الرأس شيبا - (فالتقى الماء) يعنى مياه السماء والأرض. وقرئ المآن: أي النوعان من الماء السماوي والأرضي ونحوه قولك عندي تمران تريد ضربان من التمر برني ومعقلي، قال * لنا إبلان فيهما ما علمتم * وقرأ الحسن الماوان بقلب الهمزة واوا كقولهم علباوان (على أمر قد قدر) على حال قدرها الله كيف شاء. وقيل على حال جاءت مقدرة مستوية، وهى أن قدر ما أنزل من
(٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 ... » »»