الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٣٢
تسمية الأنثى. ومالهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغنى من الحق شيئا. فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا. ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى. ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزى الذين أساءوا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى. الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى.
____________________
منهم (تسمية الأنثى) لأنهم إذا قالوا: الملائكة بنات الله فقد سموا كل واحد منهم بنتا وهى تسمية الأنثى (به من علم) أي بذلك وبما يقولون، وفى قراءة أبى بها أي بالملائكة أو التسمية (لا يغنى من الحق شيئا) يعنى إنما يدرك الحق الذي هو حقيقة الشئ وما هو عليه بالعلم والتيقن لا بالظن والتوهم (فأعرض) عن دعوة من رأيته معرضا عن ذكر الله وعن الآخرة ولم يرد إلا الدنيا ولا تتهالك على إسلامه، ثم قال (إن ربك هو أعلم) أي إنما يعلم الله من يجيب ممن لا يجيب وأنت لا تعلم، فخفض على نفسك ولا تتبعها فإنك لا تهدى من أحببت وما عليك إلا البلاغ.
وقوله تعالى - ذلك مبلغهم من العلم - اعتراض أو فأعرض عنه ولا تقابله إن ربك هو أعلم بالضال والمهتدى وهو مجازيهما بما يستحقان من الجزاء. قرئ ليجزى ويجزى بالياء والنون فيهما، ومعناه أن الله عز وجل إنما خلق العالم وسوى هذا الملكوت لهذا الغرض، وهو أن يجازى المحسن من المكلفين والمسئ منهم. ويجوز أن يتعلق بقوله - هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى - لأن نتيجة العلم بالضال والمهتدى جزاؤهما (بما عملوا) بعقاب ما عملوا من السوء، و (بالحسنى) بالمثوبة الحسنى وهى الجنة، أو بسبب ما عملوا من السوء وبسبب الأعمال الحسنى (كبائر الإثم) أي الكبائر من الإثم لأن الإثم جنس يشتمل على كبائر وصغائر، والكبائر الذنوب التي لا يسقط عقابها إلا بالتوبة. وقيل التي يكبر عقابها بالإضافة إلى ثواب صاحبها (والفواحش) ما فحش من الكبائر كأنه قال: والفواحش منها خاصة. وقرئ كبير الإثم: أي النوع الكبير منه، وقيل هو الشرك بالله. واللمم:
ما قل وصغر، ومنه اللمم المس من الجنون واللوثة منه، وألم بالمكان إذا قل فيه لبثه، وألم بالطعام قل منه أكله، ومنه: * لقاء أخلاء الصفاء لمام * والمراد الصغائر من الذنوب، ولا يخلو قوله تعالى (إلا اللمم) من أن يكون استثناء منقطعا أو صفة كقوله تعالى - لو كان فيهما آلهة إلا الله (كأنه قيل كبائر الإثم غير اللمم، وآلهة غير الله. وعن أبي سعيد الخدري: اللمم هي النظرة والغمزة والقبلة. وعن السدى: الخطرة من الذنب. وعن الكلبي: كل ذنب لم يذكر الله عليه حدا ولا عذابا. وعن عطاء: عادة النفس الحين بعد الحين (إن ربك واسع المغفرة) حيث يكفر الصغائر باجتناب الكبائر والكبائر بالتوبة (فلا تزكوا أنفسكم) فلا تنسبوها إلى زكاء العمل
(٣٢)
مفاتيح البحث: الوسعة (1)، الظنّ (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 ... » »»