الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٣٣
أفرأيت الذي تولى. وأعطى قليلا وأكدى. أعنده علم الغيب فهو يرى. أم لم ينبأ بما في صحف موسى. وإبراهيم الذي وفى. ألا تزر وازرة وزر أخرى. وأن ليس للإنسان إلا ما سعى. وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى:
____________________
وزيادة الخير وعمل الطاعات، أو إلى الزكاء والطهارة من المعاصي، ولا تثنوا عليها واهضموها فقد علم الله الزكي منكم والتقى أولا وآخرا قبل أن يخرجكم من صلب آدم وقبل أن تخرجوا من بطون أمهاتكم. وقيل كان ناس يعملون أعمالا حسنة ثم يقولون صلاتنا وصيامنا وحجنا فنزلت، وهذا إذا كان على سبيل الإعجاب أو الرياء، فأما من اعتقد أن ما عمله من العمل الصالح من الله وبتوفيقه وتأييده ولم يقصد به التمدح لم يكن من المزكين أنفسهم، لأن المسرة بالطاعة طاعة وذكرها شكر، (أكدى) قطع عطيته وأمسك، وأصله إكداء الحافر وهو أن تلقاه كدية وهى صلابة كالصخرة فيمسك عن الحفر، ونحوه أجبل الحافر ثم أستعير فقيل أجبل الشاعر إذا أفحم.
روى أن عثمان رضي الله عنه كان يعطى ماله في الخير، فقال له عبد الله بن سعد بن أبي سرح وهو أخوه من الرضاعة: يوشك أن لا يبقى لك شئ، فقال عثمان: إن لي ذنوبا وخطايا، وإني أطلب بما أصنع رضا الله تعالى وأرجو عفوه؟ فقال عبد الله: أعطني ناقتك برحلها وأنا أتحمل عنك ذنوبك كلها، فأعطاه وأشهد عليه وأمسك عن العطاء فنزلت، ومعنى تولى ترك المركز يوم أحد فعاد عثمان إلى أحسن من ذلك وأجمل (فهو يرى) فهو يعلم أن ما قال له أخوه من احتمال أوزاره حق (وفى) قرئ مخففا ومشددا والتشديد مبالغة في الوفاء أو بمعنى وفر وأتم كقوله تعالى - فأتمهن - وإطلاقه ليتناول كل وفاء وتوقية، من ذلك تبليغه الرسالة واستقلاله بأعباء النبوة والصبر على ذبح ولده وعلى نار نمروذ وقيامه بأضيافه وخدمته إياهم بنفسه وأنه كان يخرج كل يوم فيمشى فرسخا يرتاد ضيفا فإن وافقه أكرمه وإلا نوى الصوم. وعن الحسن ما أمره الله بشئ إلا وفى به. وعن الهزيل بن شرحبيل: كان بين نوح وبين إبراهيم يؤخذ الرجل بجريرة غيره ويقتل بأبيه وابنه وعمه وخاله والزوج بامرأته والعبد بسيده فأول من خالفهم إبراهيم. وعن عطاء بن السائب: عهد أن لا يسأل مخلوقا، فلما قذف في النار قال له جبريل وميكائيل:
ألك حاجة؟ فقال: أما إليكما فلا. وعن النبي صلى الله عليه وسلم " وفى عمله كل يوم بأربع ركعات في صدر النهار وهى صلاة الضحى الضحى " وروى " ألا أخبركم لم سمى الله خليله الذي وقى؟ كان يقول إذا أصبح وأمسى: فسبحان الله حين تمسون إلى حين تظهرون " وقيل وفى سهام الإسلام وهى ثلاثون عشرة في التوبة - التائبون - وعشرة في الأحزاب - إن لمسلمين - وعشرة في المؤمنين - قد أفلح المؤمنون - وقرئ في صحف بالتخفيف (ألا تزر) أن مخففة من الثقيلة، والمعنى: أنه لا تزر والضمير ضمير الشأن، ومحل أن وما بعدها الجر بدلا من ما في صحف موسى، أو الرفع على هو أن لا تزر كأن قائلا قال: وما في صحف موسى وإبراهيم فقيل أن لا تزر (إلا ما سعى) إلا سعيه فإن قلت: أما صح في الأخبار الصدقة عن الميت والحج عنه وله الأضعاف؟ قلت: فيه جوابان: أحدهما أن سعى غيره لما لم ينفعه إلا مبنيا على سعى نفسه وهو أن يكون مؤمنا صالحا، وكذلك الأضعاف كأن سعى غيره كأنه سعى نفسه لكونه تابعا له وقائما بقيامه. والثاني أن سعى غيره لا ينفعه إذا عمله لنفسه ولكنه إذا نواه به فهو بحكم الشرع كالنائب عنه والوكيل القائم مقامه (ثم يجزاه) ثم يجزى العبد سعيه، يقال جزاه الله عمله وجزاه على عمله بحذف الجار وإيصال الفعل. ويجوز أن يكون الضمير للجزاء ثم فسره بقوله (الجزاء الأوفى) أو أبدله عنه كقوله تعالى
(٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 ... » »»