____________________
والإيضاح كأنه قيل ألم نشرح لك ففهم أن ثم مشروحا، ثم قيل صدرك فأوضح ما علم مبهما، وكذلك لك ذكرك وعنك وزرك. فإن قلت: كيف تعلق قوله (فإن مع العسر يسرا) بما قبله؟ قلت: كان المشركون يعيرون رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالفقر والضيقة حتى سبق إلى وهمه أنهم رغبوا عن الإسلام لافتقار أهله واحتقارهم فذكره ما أنعم به عليه من جلائل النعم ثم قال - فإن مع العسر يسرا - كأنه قال: خولناك ما خولناك فلا تيأس من فضل الله فإن مع العسر الذي أنتم فيه يسرا. فإن قلت: إن مع للصحبة فما معنى اصطحاب اليسر والعسر؟ قلت:
أراد أن الله يصيبهم بيسر بعد العسر الذي كانوا فيه بزمان قريب، فقرب اليسر المترقب حتى جعله كالمقارن للعسر زيادة في التسلية وتقوية القلوب. فإن قلت: ما معنى قول ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما: لن يغلب عسر يسرين، وقد روي مرفوعا " أنه خرج صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو يضحك ويقول: لن يغلب عسر يسرين؟ " قلت: هذا عمل على الظاهر وبناء على قوة الرجاء، وأن موعد الله لا يحمل إلا على أوفى ما يحتمله اللفظ وأبلغه، والقول فيه أنه يحتمل أن تكون الجملة الثانية تكريرا للأولى كما كرر قوله - ويل يومئذ للمكذبين - لتقرير معناها في النفوس وتمكينها في القلوب، وكما يكرر المفرد في قولك جاء زيد زيد، وأن تكون الأولى عدة بأن العسر مردوف بيسر لا محالة، والثانية عدة مستأنفة بأن العسر متبوع بيسر فهما يسران على تقدير الاستئناف، وإنما كان العسر واحدا لأنه لا يخلو إما أن يكون تعريفه للعهد وهو العسر الذي كانوا فيه فهو هو لأن حكمه حكم زيد في قولك إن مع زيد مالا إن مع زيد مالا، وإما أن يكون للجنس الذي يعلمه كل أحد فهو هو أيضا، وأما اليسر فمنكر متناول لبعض الجنس، فإذا كان الكلام الثاني مستأنفا غير مكرر فقد تناول بعضا غير البعض الأول بغير إشكال. فإن قلت:
فما المراد باليسرين؟ قلت: يجوز أن يراد بهما ما تيسر لهم من الفتوح في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وما تيسر لهم في أيام الخلفاء، وأن يراد يسر الدنيا ويسر الآخرة كقوله تعالى - قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين - وهما حسنى الظفر وحسنى الثواب. فإن قلت: فما معنى هذا التنكير؟ قلت: التفخيم كأنه قيل إن مع العسر يسرا عظيما وأي يسر، وهو في مصحف ابن مسعود مرة واحدة. فإن قلت: فإذا ثبت في قراءته غير مكرر فلم قال " والذي نفسي بيده لو كان العسر في جحر لطلبه اليسر حتى يدخل عليه، إنه لن يغلب عسر يسرين ". قلت: كأنه قصد باليسرين ما في قوله يسرا من معنى التفخيم فتأوله بيسر الدارين وذلك يسران في الحقيقة. فإن قلت: فكيف تعلق قوله (فإذا فرغت فانصب) بما قبله؟ قلت: لما عدد عليه نعمه السالفة ووعده الآنفة بعثه على الشكر والاجتهاد في العبادة والنصب فيها، وأن يواصل بين بعضها وبعض ويتابع ويحرص على أن لا يخلي وقتا من أوقاته منها، فإذا فرغ من عبادة ذنبها بأخرى. وعن ابن عباس: فإذا فرغت من صلاتك فأجتهد في الدعاء. وعن الحسن: فإذا فرغت من الغزو فأجتهد في العبادة، وعن مجاهد: فإذا فرغت من دنياك فانصب في صلاتك. وعن الشعبي أنه رأى رجلا يشيل حجرا فقال: ليس بهذا أمر الفارغ. وقعود الرجل فارغا من غير شغل أو اشتغاله بما لا يعنيه في دينه أو دنياه من سفه الرأي وسخافة العقل واستيلاء الغفلة. ولقد قال عمر رضي الله عنه: إني لأكره أن أرى أحدكم فارغا سهلا لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة. وقرأ أبو السمال فرغت بكسر الراء وليست بفصيحة، ومن البدع ما روي عن بعض الرافضة أنه قرأ فانصب بكسر: أي فانصب عليا للإمامة، ولو صح هذا للرافضي
أراد أن الله يصيبهم بيسر بعد العسر الذي كانوا فيه بزمان قريب، فقرب اليسر المترقب حتى جعله كالمقارن للعسر زيادة في التسلية وتقوية القلوب. فإن قلت: ما معنى قول ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما: لن يغلب عسر يسرين، وقد روي مرفوعا " أنه خرج صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو يضحك ويقول: لن يغلب عسر يسرين؟ " قلت: هذا عمل على الظاهر وبناء على قوة الرجاء، وأن موعد الله لا يحمل إلا على أوفى ما يحتمله اللفظ وأبلغه، والقول فيه أنه يحتمل أن تكون الجملة الثانية تكريرا للأولى كما كرر قوله - ويل يومئذ للمكذبين - لتقرير معناها في النفوس وتمكينها في القلوب، وكما يكرر المفرد في قولك جاء زيد زيد، وأن تكون الأولى عدة بأن العسر مردوف بيسر لا محالة، والثانية عدة مستأنفة بأن العسر متبوع بيسر فهما يسران على تقدير الاستئناف، وإنما كان العسر واحدا لأنه لا يخلو إما أن يكون تعريفه للعهد وهو العسر الذي كانوا فيه فهو هو لأن حكمه حكم زيد في قولك إن مع زيد مالا إن مع زيد مالا، وإما أن يكون للجنس الذي يعلمه كل أحد فهو هو أيضا، وأما اليسر فمنكر متناول لبعض الجنس، فإذا كان الكلام الثاني مستأنفا غير مكرر فقد تناول بعضا غير البعض الأول بغير إشكال. فإن قلت:
فما المراد باليسرين؟ قلت: يجوز أن يراد بهما ما تيسر لهم من الفتوح في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وما تيسر لهم في أيام الخلفاء، وأن يراد يسر الدنيا ويسر الآخرة كقوله تعالى - قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين - وهما حسنى الظفر وحسنى الثواب. فإن قلت: فما معنى هذا التنكير؟ قلت: التفخيم كأنه قيل إن مع العسر يسرا عظيما وأي يسر، وهو في مصحف ابن مسعود مرة واحدة. فإن قلت: فإذا ثبت في قراءته غير مكرر فلم قال " والذي نفسي بيده لو كان العسر في جحر لطلبه اليسر حتى يدخل عليه، إنه لن يغلب عسر يسرين ". قلت: كأنه قصد باليسرين ما في قوله يسرا من معنى التفخيم فتأوله بيسر الدارين وذلك يسران في الحقيقة. فإن قلت: فكيف تعلق قوله (فإذا فرغت فانصب) بما قبله؟ قلت: لما عدد عليه نعمه السالفة ووعده الآنفة بعثه على الشكر والاجتهاد في العبادة والنصب فيها، وأن يواصل بين بعضها وبعض ويتابع ويحرص على أن لا يخلي وقتا من أوقاته منها، فإذا فرغ من عبادة ذنبها بأخرى. وعن ابن عباس: فإذا فرغت من صلاتك فأجتهد في الدعاء. وعن الحسن: فإذا فرغت من الغزو فأجتهد في العبادة، وعن مجاهد: فإذا فرغت من دنياك فانصب في صلاتك. وعن الشعبي أنه رأى رجلا يشيل حجرا فقال: ليس بهذا أمر الفارغ. وقعود الرجل فارغا من غير شغل أو اشتغاله بما لا يعنيه في دينه أو دنياه من سفه الرأي وسخافة العقل واستيلاء الغفلة. ولقد قال عمر رضي الله عنه: إني لأكره أن أرى أحدكم فارغا سهلا لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة. وقرأ أبو السمال فرغت بكسر الراء وليست بفصيحة، ومن البدع ما روي عن بعض الرافضة أنه قرأ فانصب بكسر: أي فانصب عليا للإمامة، ولو صح هذا للرافضي