الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٢٣٣
تعرف في وجوههم نضرة النعيم. يسقون من رحيق مختوم. ختامه مسك وفى ذلك فليتنافس المتنافسون. ومزاجه من تسنيم. عينا يشرب بها المقربون.
إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون. وإذا مروا بهم يتغامزون. وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين. إذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون. وما أرسلوا عليهم حافظين. فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون. على الأرائك ينظرون.
هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون.
____________________
(نضرة النعيم) بهجة التنعم وماءه ورونقه كما ترى في وجوه الأغنياء وأهل الترفه، وقرئ تعرف على البناء للمفعول ونضرة النعيم بالرفع. الرحيق الشراب الخالص الذي لا غش فيه (مختوم) تختم أوانية من الأكواب والأباريق بمسك مكان الطينة، وقيل (ختامه مسك) مقطعه رائحة مسك إذا شرب. وقيل يمزج بالكافور ويختم مزاجه بالمسك، وقرئ خاتمه بفتح التاء وكسرها: أي ما يختم به ويقطع (فليتنافس المتنافسون) فليرتقب المرتقبون (تسنيم) علم لعين بعينها سميت بالتسنيم الذي هو مصدر سنمه إذ رفعه، إما لأنها أرفع شراب في الجنة، وإما لأنها تأتيهم من فوق على ما روى أنها تجرى في الهواء متسنمة فتنصب في أوانيهم. و (عينا) نصب على المدح، وقال الزجاج: نصب على الحال. وقيل هي للمقربين يشربونها صرفا وتمزج لسائر أهل الجنة. هم مشركو مكة أبو جهل والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وأشياعهم، كانوا يضحكون من عمار وصهيب وخباب وبلال وغيرهم من فقراء المؤمنين ويستهزئون بهم. وقيل جاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه في نفر من المسلمين فسخر منهم المنافقون وضحكوا وتغامزوا، ثم رجعوا إلى أصحابهم فقالوا: رأينا اليوم الأصلع فضحكوا منه، فنزلت قبل أن يصل على إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (يتغامزون) يغمز بعضهم بعضا ويشيرون بأعينهم (فكهين) ملتذين بذكرهم والسخرية منهم: أي ينسبون المسلمين إلى الضلال (وما أرسلوا) على المسلمين (حافظين) موكلين بهم يحفظون عليهم أحوالهم ويهيمنون على أعمالهم ويشهدون برشدهم وضلالهم وهذا تهكم بهم، أو هو من جملة قول الكفار وأنهم إذا رأوا المسلمين قالوا - إن هؤلاء لضالون - وأنهم لم يرسلوا عليهم حافظين إنكارا لصدهم إياهم عن الشرك ودعائهم إلى الاسلام وجدهم في ذلك (على الأرائك ينظرون) حال من يضحكون: أي يضحكون منهم ناظرين إليهم وإلى ما هم فيه من الهوان والصغار بعد العزة والكبر، ومن ألوان العذاب بعد النعيم والترفه وهم على الأرائك آمنون. وقيل يفتح للكفار باب إلى الجنة فيقال لهم اخرجوا إليها فإذا وصلوا إليها أغلق دونهم يفعل ذلك بهم مرارا فيضحك المؤمنون منهم. ثوبه وأثابه بمعنى إذا جازاه، قال أوس:
سأجزيك أو يجزيك عنى مثوب * وحسبك أن يثنى عليك وتحمدي وقرئ بإدغام اللام في الثاء. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة المطففين سقاه الله من الرحيق المختوم يوم القيامة ".
(٢٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 ... » »»