الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٢٢٢
وإذا الوحوش حشرت. وإذا البحار سجرت. وإذا لنفوس زوجت. وإذا الموؤودة سئلت. بأي ذنب قتلت؟ وإذا الصحف نشرت. وإذا السماء
____________________
لاشتغالهم بأنفسهم. وقرئ عطلت بالتخفيف (حشرت) جمعت من كل ناحية. قال قتادة: يحشر كل شئ حتى الذباب للقصاص، وقيل إذا قضى بينها ردت ترابا فلا يبقى منها إلا ما فيه سرور لبنى آدم وإعجاب بصورته كالطاووس ونحوه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: حشرها موتها، يقال إذا أجحفت السنة بالناس وأموالهم حشرتهم السنة، وقرئ حشرت بالتشديد (سجرت) قرئ بالتخفيف والتشديد من سجر التنور إذا ملاه بالحطب:
أي ملئت وفجر بعضها إلى بعض حتى تعود بحرا واحدا. وقيل ملئت نيرانا تضطرم لتعذيب أهل النار. وعن الحسن: يذهب ماؤها فلا تبقى فيها قطرة (زوجت) قرنت كل نفس بشكلها. وقيل قرنت الأرواح بالأجساد، وقيل يكتبها وأعمالها. وعن الحسن هو كقوله - وكنتم أزواجا ثلاثة - وقيل نفوس المؤمنين بالحور ونفوس الكافرين بالشياطين. وأد يئد مقلوب من آديئود إذا أثقل، قال الله تعالى - ولا يئوده حفظهما - لأنه إثقال بالتراب، كان الرجل إذا ولدت له بنت فأراد أن يستحييها ألبسها جبة من صوف أو شعر ترعى له الإبل والغنم في البادية، وإن أراد قتلها تركها، حتى إذا كانت سداسية فيقول لامها طيبيها وزينيها حتى أذهب بها إلى أحمائها وقد حفر لها بئرا في الصحراء فيبلغ بها البئر فيقول لها انظري فيها، ثم يدفعها من خلفها ويهيل عليها التراب حتى تستوى البئر بالأرض. وقيل كانت الحامل إذا أقربت حفرت حفرة فتمخضت على رأس الحفرة، فإذا ولدت بنتا رمت بها في الحفرة وإن ولدت ابنا حبسته. فإن قلت: ما حملهم على وأد البنات؟ قلت: الخوف من لحوق العار بهم من أجلهن أو الخوف من الاملاق كما قال الله تعالى - ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق - وكانوا يقولون: إن الملائكة بنات الله، فألحقوا البنات به فهو أحق بهن. صعصعة بن ناجية ممن منع الوأد، فبه افتخر الفرزدق في قوله:
ومنا الذي منع الوائدات * فأحيا الوئيد فلم توأد فإن قلت: ما معنى سؤال الموؤودة عن ذنبها الذي قتلت به، وهلا سئل الوائد عن موجب قتله لها؟ قلت:
سؤالها وجوابها تبكيت لقائلها نحو التبكيت في قوله تعالى لعيسى - أأنت قلت للناس - إلى قوله - سبحانك ما يكون إلى أن أقول ما ليس لي بحق - وقرئ سألت: أي خاصمت عن نفسها، وسألت الله أو قاتلها، وإنما قيل قتلت بناء على أن الكلام إخبار عنها، ولو حكى ما خوطبت به حين سئلت لقيل قتلت، أو كلامها حين سئلت لقيل قتلت.
وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما قتلت على الحكاية، وقرئ قتلت بالتشديد، وفيه دليل بين على أن أطفال المشركين لا يعذبون، وعلى أن التعذيب لا يستحق إلا بالذنب، وإذا بكت الله الكافر ببراءة الموؤودة من الذنب فما أقبح به وهو الذي لا يظلم مثقال ذرة أن يكر عليها بعد هذا التبكيت فيفعل بها ما تنسى عنده فعل المبكت من العذاب الشديد السرمد. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن ذلك فاحتج بهذه الآية (نشرت) قرئ بالتخفيف والتشديد يريد صحف الأعمال تطوى صحيفة الانسان عند موته ثم تنشر إذا حوسب. عن قتادة: صحيفتك يا ابن آدم تطوى على عملك ثم تنشر يوم القيامة فلينظر رجل ما يملى في صحيفته. وعن عمر رضي الله عنه أنه كان إذا قرأها قال: إليك يساق الامر يا ابن آدم. وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " يحشر الناس عراة حفاة، فقالت أم سلمة: كيف
(٢٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 ... » »»